عدوّ السياحة
سنة النشر : 01/05/2009
الصحيفة : الاقتصادية
نكرر كلمة "السياحة" يا صديقي؟ هل نقف قليلا ونتسيح في معناها؟
السياحة هي الترويح عن النفس. وفي اللغة، هي الضرب في مرافق الأرض، وعبور البلاد والقفار والبلدان.. إن السائحَ في اللغةِ غير المسافر وغير المترحّل فليس الهدفُ الانتقال من نقطةٍ إلى نقطة، أو من مكان إلى مكان، ولكن الانتقالُ نفسه هو الهدف.. التنقلُ هو الطريقُ وهو المحطة وهو الغاية.
نشأ عند بعض الصوفيين الميلُ لهجر الزوايا، وطـَرْقُ الأرض والسياحة فيها لإضرام التوق والشوق والتنحل تواصلا مع المحبة الكونية، وانكشافات الفيوض.. وسموا بالسياح، وكانوا أكثر الناس تزهدا ونفورا من مجامع البشر والتحضر، أو تذوق مرافق الإمتاع والمتعة.. ولكنهم يا صديقي النقيض الحاد للسائح اليوم، السائح العصري. آخ يا أخي من السائح العصري إنه نوعٌ من البشر كثير الدلال لنفسه، وبحرِّ مالِه. يريد المتعة َفي أقصاها، وبحرِّ ماله، يريد أفضلَ أنواع الطعام، وأجملَ المناظر.
كائنٌ متطلبٌ غريبٌ يريد أقصى الأماكن تفجيرا للطاقة، وأشد الأماكن ميلا للتبطل والكسل.. وبحُرِّ مالِه. السائحُ العصري يريد أن يكون سعيدا طوال الوقت، وعدوُه الأول يا صديقي، لا، ليست إسرائيل، ولا كل أشرار الأرض، عدوُ السائح الأول هو التنغيص.. إن أردتَ أن تفسد خلايا أي سائح وتحيله إلى مخلوق ٍهلامي ٍتعس ٍ، فقط أرسل له أي كمية من التنغيص.. وها أنت نجحت. يا صديقي أقول لك إن في منطقتنا، رغم وجود المقومات الأولية للسياحة، إلا أن وفرة البترول فيها توازيها وفرة أخرى: التنغيص.
لذا أتعجب من كل خطط السياحة عندنا إن تناست، أو تجاهلت أو لم تتعرف على عدو السائح الأول: التنغيص.. إن كان في منطقتك مرض بالسياحة ولم تلتفت أولا للتنغيص فإني أضمن لك علاجا خاطئا لمرض سياحتك، لأنك بدأت بخطأٍ سافرٍ في التشخيص. كيف يا صديقي تنغص على السائح؟ بسيطة، اسألني وأنا أجيبك بكل امتنان؟ هل سألتني؟ لا يهم: اسمع.. السائحُ كائنٌ، غيري وغيرك، فنحن من خلايا مليئة بالماء في نسيج بروتيني، ولكن السائح مخلوق من كتلة أعصاب في غاية الحساسية، وتواقة للراحة والمتعة ونسيان إرهاق شهورٍ مضنية.. ولا يريد من الدنيا إلا أن يتذوق متعة من كل شيء، متعة من الحركة، متعة من المنظر، متعة من الكسل، متعة من التسوق، متعة في الاسترخاء والسكن.
وكثير من السياح كما أرجو- يريدون ملئا معرفيا جديدا في التاريخ والعادات وأوجه المعرفة الحضارية.. وأكلاً طيب المذاق. ويريد السائح أصعب الأمور، وهذا ليس بيدك يا صديقي للأسف مها تجليْتَ في خططك، إنه يريد أن يمشي بين الناس وهم يتبسمون له ويهللون.. أمامك معضلة من أين تحضر هؤلاء الناس؟ دعنا من ذلك الآن، ألم أقل لك هذا ليس بيدك؟ نعود إلى ما يمكن عمله.. ولكنه لا يعمل في موسم يا صديقي ولا موسمين، إنه يحتاج إلى خطة بنفسٍ أطول، وبجدية أمضى، وبرغبةٍ مثل مشعل زيتٍ لا تنطفئ نارُه. يصعب أن تنتعش السياحة الآن في كثير من مناطقنا، ومرافق التجهيز التحتي غير معدة بما يليق بحضرةِ السائح.. الشوارعُ، الجاداتُ، الميادينُ، الحدائق، ويا إلهي.. "المنافع العامة!" يصعب أن تنتعش السياحة والسائحُ بما أنه يصرف حرّ ماله، يريد مقابلا مساويا أو حتى أكثر.. طبيعة السياح! ولكن عندما ترتفع أسعارُ أماكن إيواء كالثكنات بغير مبرر فهذا من أسباب استدعاء التنغيص، أشد الشوكات اختراقا لهناءة السائح. التفت إلى حالة الفنادق والشقق المفروشة رجاء يا صديقي قبل أي خطة.
السائح الذي لم يشم ندى البحر سيرتدي مع أولاده لباسَ البحر.. "هيا، يا شباب، لننعم بانتعاش نسيم البحر، ولنجرِ على الشواطئ ولنرقص مع رذاذ الموج".. يا ضديقي: ابحث عن السواحل، وخذها مني نظرية علمية من كتاب " مواطن الراحة في لزوم السياحة" الذي تقرأ فيه التالي: "يزدادُ فرحُ السائح مع ازدياد المساحة المفتوحة على الشاطئ.." الآن لن أطمع فأقول لك ابن ِ المتاحف والمكتبات والمعالم.. ولكن اعمل على العناصر السابقة، ادرسها يا صديقي، وأعد النظرَ في منطقتك.. ثم ضع الخطة قبل أن يأتي السائح، لأني نسيت أن أقول لك شيئا مهما.. يا لهذه الذاكرة! فالسائحُ نوعٌ من الكائنات يا صديقي عندما يذهب – متنغصا- فإنه.. لا يعود!