لماذا نصفق لمنتخبنا الوطني؟

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
قبل أمس فاز المنتخبُ السعودي على المنتخب الإندونيسي، وأظهر في فترات من اللعب معدنا لامعا ومصقولا للقدرة الجماعية. وأهم ما في كرة القدم أنها صريحة واضحة يعرفها الجميع وتصير أمام الجميع، ثم أنها موجهة للجميع بلا تفرقة أبدا وبلا مداهنة ولا مفاضلة.. وهنا تكون الحقيقة شاهقة، وتكون بذاتها هي البرهان.
 
وهنا، كلنا كشعب سعودي من القمة إلى الساحات الفسيحة صدقنا وعرفنا ووصلنا إلى الاستنتاج نفسه بقناعة تامة، وخرجنا – كلنا - فخورين بنصر محقق مبين، والأهم شيء آخر أني لن أخاف من إخفاق آخر ما دام أني عرفت أن المعدنَ زاهٍ وصقيل ومتين، فإن علاهُ غبارٌ فهو لا يعني تردياً في عناصره وتكوينه، وإنما لأن أحداً نسي أو أخطأ أن ينفض الغبارَ.. ليس إلا! ولذا، دائما أبسط الأشياء وأكثرها مباشرة هي التي تقود للرضا العام، أو القناعة العامة بين الجموع بصدق ما وصل إليهم دون شك ولا مواربة ولا ريب. ونسأل إذن لماذا لا نعتمد هذه الوسيلة الصادقة والجامعة في سياساتنا الكلية.. حتى يرضى الجميع، حتى يفهم الجميع.. تعرفون أين يقع الخطأ في قراراتنا الإدراية؟ لأننا لا نطالع الجموع، ولا نتحرى ما تريده الجموع، ونـُبقي الجموعَ إما مضللة بإحصاءات غير حقيقية، أو مموّهة، أو معدة لتجميل أعمال لم تـُنجز، أو أنها أنجزت ولكن ليس كما ينبغي أن تنجز، فتبقى أشياؤنا غير ما نأمل، ويبقى التذمرُ وأحيانا الغضب يمور بين الناس.. لأن موضبي القرارات، ومعدي التقارير، وناشري المعلومات لم ينظروا للجموع، وإنما نظروا بتفضيل مطيق، وانحياز واضح لفئة قليلة، وهذه الفئة القليلة بأيديها القرارات الأكبر، وهنا لما يأخذ الكبارُ القرارات التي لا تؤدي إلى رضا الناس، ولا تحل مشاكلهم، ولا تصل إلى قلوبهم، ولا تتفاهم مع إدراكاتهم، فإن الخطأ لا يكون في عدم مقدرة صاحب القرار الكبير على اتخاذ القرار الصحيح، بل لأنه أخذ قرارا صحيحا بني على معلومات غير صحيحة.. لأنها معدة من فئة لم تسأل الجموع، ولم تتحر مطالبها، ولم تغمس يدها في شأن المواطن اليومي ومعاناته في عيشه وسكنه ومستقبله ومستقبل أولاده.. أتدري ما الذي يضيع هنا يا أصدقائي؟ يضيع واحدٌ من أهم مقومات أركان أي أمة: الإحساس بالأمان.
 
وعندما يفتقد المواطن الأمان، ليس لأنه فقير فقط، أو لأنه لا مسكن له، أو لا مستقبل لولده بل لأنه يعرف أنه لم يعط َالمعلومة، وقبل ذلك لم يُسأل في رأيه عنها، فيشعر بالقلق العميق لأن فئة هي التي تأخذ القرار، بل تفعل شيئا أكبر من ذلك تذهب لأصحاب القرارات الكبيرة وتعبر عن سعادة المواطنين ورضاهم، بينما هو لم يفتح فمه ليقول ذلك لأي أحد، فيتعاظم قلقه لأنه يئس من أن يُسمَع له رأيٌ، بل الأمر تفاقم بشكل منغص بأن هناك من يعبر عنه، وعندما يقوم بالتعبير عنه يعبر تماما عكس ما يشعر، وعكس ما يعاني في كل حياته.
 
أود لو يسأل المسؤولون أنفسهم، لم يكثر الانتقاد؟ بل لا بد أن يُحضـِروا مسؤولي العلاقات العامة لديهم الذين لا بد أن يفقهوا التعامل مع الجموع، ويتفهموا الحالة النفسية الجماعية (وإلا فإنهم بمناصبهم يملأون الفضاءَ بالفضاء) ويسألونهم: أين الخطأ، لم عمّ الانتقادُ وانتشر؟ لم صارت للناقدين شعبية متزايدة السطوع؟ أين الخطأ؟ .. لا أدري ماذا سيقولون حينها، لكن الجموع تعلم بلا شك الإجابة، وهي مسألة كبرى لا بد أن يعيها المسؤول وينطلق من أرضيتها، وهي ظاهرة ستزعجه ولكنها الحقيقة، الجموع تتجه لسماع الناقدين ليتحروا مدى صدق المعلومات التي أخرجتها الدائرة الرسمية! وهنا الخطر.. عندما يختلط الرأيُ الناصح مع الرأي الطالح، ولكن يجب ألا تلوم الطالحين ما دمنا ساهمنا، حتى من دون قصد، بتهيئة البيئة المناسبة لنموهم كأعشاب البحر التي تمتص الهواءَ من باقي الأحياء البحرية.
 
عندما نصفق كجموع لهدف سجله منتخبنا الوطني، يكون تصفيقا هادرا وحقيقيا، لأن الهدف إنجاز حقيقي ومعروف ومفهوم مبرهن كضوء الشمس في عز الظهيرة. وأرجو من أي مسؤول عندما يقف متكلما، أو واعدا، أو حتى مقررا عن الجموع، أن يسأل نفسه: هل الجموع ستصفق لي كما صفقت لهدف المنتخب؟ تحري تلك الإجابة هي الطريق الصحيح كي تدير منصبك المهم بتوفيق من أجل الجموع!