متى نطلقُ نفيرَ هذه الحرب؟

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
سمعتُ بين الغفوةِ والصحو أنباءً تملأ الآذان أن في بلادنا ثورة صامتة.
 
ثورةٌ مثل الحرب، ولكن لا تـُطلق بها رصاصةٌ واحدة، حربٌ تكون فيها الخسائرُ البشرية: صفر. حربٌ على النقيض، ترفع نوعية حياة من ينخرط وسط معمعتها. حربٌ لابد أن ننتصر بها، لأن أعداءنا بها شرسون جدا.. نصرٌ يجب أن ننتصر به كي نصون مستقبلَ أمتنا ومستقبل أجيالنا. إنها الحربُ التي أعلنت من أعلى مكانٍ في الدولة ضد أعداءٍ لا يعرفون معنىً للرحمةِ لأنهم من خامةِ الشر، إن لم تكن هي كل الشرور. أعداؤنا الذين نخوض حربا لا بد أن ننتصر فيها ضدهم، هم: الفقر، الفساد، النفاق.
 
ثم تراءى لي شيء بين الصحو والغفوة.. تراءى لي أن فرقاً شُكّلت ومراكز تأسست في كل المناطق في البلاد، الكبيرة والنائية، وهذه الفرق والمراكز معنية بالوقوف في الخط الأمامي ضد الفقر، وتشكيل قوي ضد معاقل الفقر الحصينة، وذلك في تشجيع الشباب والشابات في الانخراط ببرامج تدريبية للمشاريع المتناهية الصغر، وتدريبهم عليها، ثم بعد التأكد من قدرة المجند والمجندة على استيعاب السلاح الذي تدرّب عليه ليحارب في موقعه، فإنه إذن لا بد أن يبدأ دخول غبار المعركة، وبالتالي فهو لا يد أن يزود بالسلاح والمؤنة والغيار.
 
تشكلت قبل ذلك هيئة تمويل استراتيجية فاعلة سريعة القرارات جيدة التمويل لرفد المجندين والمجندات لإقامة مشاريعهم الصغرى للدخول في قلب المعركة ضد الفقر، وهذه الهيئة هي عسكرية غير عادية، تستطيع أن تقول إنها مثل "هيئة إدارة حرب" وبالتالي فهي منضبطة جدا في عملها، وسريعة في قراراتها، ومستوعبة لنوعية الخطط الحربية لمواجهة نوعية العدو، وهي صارمة جدا مع موظفيها ومع المجندين والمجندات الجدد في تدريبهم، في تأكدها من قدرتهم على المناورة التكتيكية في مواقعهم (مشاريعهم الصغرى التي ستكون رافد معاشهم وأسرهم).. وهي مثل أي هيئة عسكرية تعقد اجتماعات قيادية وميدانية حول إنجاز كل يوم في الزحف ضد العدو أو مناورته ولا يصير هذا إلا بقياس يومي أو دوري لأداء كافة الكتائب العاملة في الهيئة ذاتها، إلى آخر مجند أو مجندة في أطراف مواقع المعركة الكبرى.
 
إنها حرب والحرب لا تحتاج إلى إعلان وافتتاحات واحتفالات.. إنها طبيعة قيادة الحروب، هذه الطبيعة أن تكون صامتة.. وفعالة.. ولا طريقَ لها إلا النصر، أو، كما قال طارق بن زياد.. الموت! الحرب الأخرى بقيادة أركان جبارة وحاسمة ودقيقة وعلمية ضد العدو الضاري الآخر: الفساد. إن الفساد يختلف عن الفقر بأنه أكثر خبثا، وأشد دهاء، وأسرع وأقدر على التطور والتجدد، ولو سألتني ما هي أقدم مهنة سيئة في التاريخ؟ لأجبتك إنه الفساد.
 
الفسادُ يملك قوةً لا تـُعقل، شبكة من المصالح متجذرة بشكل غابة خرافية لا تدري من أين يبتدئ أول عرق ولا تعلم أين ينتهي آخر عرق.. أدغال من النوايا السيئة المسلحة بأسلحة فتاكة ممنوعة عالميا وأخلاقيا ودينيا من النفوذ، والقوة، وتبادل المنافع، وعبقريات من الكاموفلاج العسكري في التخفي التبدل والتسلل.
 
هنا لا يصلح الطيبين الوادعين لتحارب الشياطين. نحتاج إلى هيئة من القوّة الخيرة، والمسلحة بالمعرفة توظف بها كافة القدرات على توصيل المعلومات لأي مخالفة مثبتة أو يمكن إثباتها. وهي هيئة لا أقول تدار بالقدرة على المخيلة الإجرامية، ولكنها تعرف كيفية طرق الفساد وما يدور في عقول الفاسدين، في التحايل على الأنظمة، والتمويه بالأغطية، وتنويع المسارب.. وأن تكون قيادة بقلبٍ حديديّ لا يهاب من كان، إن كان فاسدا.. وبظني أن عدم الهيبة من أحد هي السلاحُ الأول.
 
أما النفاقُ.. فيا ويلنا من هذا العدو الضاري. إنه أخطر ما يخاف منه أي مخطط لحرب قائمة. إنه الخيانة من الداخل، حيث تهيئ أهم العناصر لخسارة أي حرب: المعلومات المضلـّلة، فالمنافق بضاعته الوحيدة هي خنق الحقائق، أو طمسها ثم إخراجها بحلة معاكسة تماما فيضلل رأي الكبار من متخذي القرارات التي تؤثر عميقا في الأمة.
 
والآن أرجو أن تسامحوني أود أن أتابع هذا الطيف من الأحلام.. على وسادة الحرب الصامتة.. أو أن أصحو لأراها واقعاً!