تركي بن ناصر: حتى لا يسائِلـُنا جيلٌ قادم..

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
وصلتني رسالة كريمة جوابية لمقالي الذي ظهر هنا عن تلوث قاع الخليج العربي وشواطئه بعنوان"كولا فش" من سمو الأمير تركي بن ناصر بن عبد العزيز، الرئيس العالم للأرصاد وحماية البيئة أنقل لكم، فيما يلي، موضوعاتها الأساسية بعد أن اجتزأت منها ما يخص رأي الأمير كرما بحقي مشكورا ومقدّرا:
 
"الأستاذ نجيب.. سأبدأ معكم من حيث انتهيتم فمن حق الجميع أن يعرف المشكلة، ومن حقه أيضا أن يعرف الجهة المسؤولة، ومن حقه كذلك إدراك الوضع الراهن، وأن يضمن الجميع بإذن الله مستقبل جيلٍ قادم، وأن ندرك جميعا أن ليس هناك مستثنى من المسئولية، وعلى الجميع معرفة الإجراءات في أمر كهذا.
 
ولكي نكون أكثر واقعية في سرد هذه المشكلة لشاطئنا الشرقي، التي تشغلنا في الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة كونها جزءا، بل على رأسها، في قضايانا البيئية، وهي تحظى باهتمام كبير من سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد، وزير الدفاع والطيران، والمفتش العام، ورئيس اللجنة الوزارية للبيئة.
 
ولا جدلَ أنها من أولى خطواتنا العملية منذ تشرفنا برئاسة الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، وقد وقفنا كثيرا على هذه الشواطئ العزيزة علينا، كما أننا لم نترك فرصة في محفلٍ محلي أو إقليمي، أو دولي، إلا وعبّرنا فيه عن قلقنا من جرّاءِ ما يعانيه هذا الشاطئ من ظروفٍ بيئيةٍ قاسية، والتحذير من أن المعاناة إذا لم تجد الحلولَ الواقعية، وبشكلٍ سريع، فإنها ستتحول إلى معضلةٍ نشكو منها اليوم، وتؤرِق من يأتي بعدنا، ولعل الإجراءات المتواصلة لوضع الحلول المناسبة بإنهاء مشكلة التلوث التي تعانيها شواطئ شرق المملكة، بدأت آثارها في التجلي، وقد تصبح حقيقة مكتملة خلال فترةٍ زمنيةٍ مقبلة.. إننا لنؤكد لكم أن الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة قد أنهت فعليا الدراسات الميدانية والتحاليل المخبرية من خلال جهاتٍ متخصصةٍ محلية وعالمية، قامت بها لمعرفة واقع التلوث لهذه الشواطئ، وكيفية معالجتها، وحجم التكلفة المالية، وذلك ضمن برنامج الأمم المتحدة الممنوحة للدول المتضررة من أثر التلوث الذي نجم عن حرب الخليج عام 1991م، وقد قـُدمت هذه الدراسات للأمم المتحدة استعدادا، لإعادة تأهيل المناطق سواء في داخل البحر أو على اليابسة إيمانا بأن هذه المناطق المتضررة جزء لا يتجزأ من حاضرنا ومستقبلنا ومسئولية حتمية علينا لجيلٍ قادمٍ قد يسأل يوما عن بيئته، وكائناته البحرية والبرية.
 
ونحن اليوم نسير عبر الخطوات الجادة لإعادة هذه المناطق إلى واقعها الطبيعي والتي سيلمسها الجميع في غضون الأشهر القليلة المقبلة، حيث سيتم البدء في تنفيذ مشروع تنظيف شواطئ الخليج العربي والمناطق البرية المتضررة من التلوث البيئي لتنظيف تلك المناطق التي تقع على شمال شرق منطقة حفر الباطن، كما سيتم تنظيف التربة من التلوث لتلك المناطق التي تقدر بطول 150 كم على شواطئ الخليج من إجمالي طول الشواطئ التي أُجريَ عليها المسح، التي تقدر بطول 800 كم، إضافة إلى أنه سيجري عمل استزراع الغطاء النباتي لتلك المنطقة، وستقوم بعمليات التنظيف شركات عالمية ومحلية مؤهلـَّة ومتخصصة في تنظيف البيئة تحت إشراف هذه الرئاسة من خلال الكفاءات العالية التأهيل، والقيام بالدور الرقابي عليها، إضافة إلى أنه سيتم الاستعانة والتعاون بين عدد من المراكز الاستشارية العالمية، والمراكز الفنية في المملكة.
 
ولا نقف في الرئاسة عند هذا الحد، بل إن ما نطبقه حاليا من أنظمة وتشريعاتٍ وفقا للنظام العام للبيئةِ في المملكة على الجهات المؤثرة بيئيا سواء الصناعية منها أو العاملة في مجال النقل البحري أو غيرها، أصبحت أمرا حتميا لا جدل فيه، سعيا إلى الإقلال من هذه المخاطر وحماية المجتمع ومصادره الطبيعية، كون البيئة هي ركيزة مهمة، والمستقبل الذي يغفله الكثيرون، وهي مصدر استقلال والعيش والتوازن الذي لا بد ألا نفقده ولا نغفله في ظل التسارع التنموي الذي نشهده نحن والعالم.
 
إن المسئولية كبيرة والحرص شيء مطلوبٌ من الجميع، ولكن هذا لن يأتي إلا من خلال تضافر كل شرائح المجتمع، وتوافق وفهم واقع العمل البيئي، وهذا ما نحرص عليه كونه انطلاقة النجاح في حماية البيئة، وصون مواردها.."
 
.. إذن هي رسالة صريحة، صريحة في كشف الخطر دون تمويه ولا تغطية ولا ستار، وصريحة باعتناق المسئولية وتقدير عظم أهميتها.. وهي أيضا جرس يدق قويا من المسئول العارف بحجم الخطر علينا جميعا.. أكرر جميعاً! ولعل الجهود تنقذ منحة إلهية كبرى، إن ضاعت.. لن تجيء!