يا حكومتي: لن تغيروهم!

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
بعد أن تكرر سبابُ حكومتنا أكثر من مرة، من اللسان نفسه. تقريباً. ولم يقف عند السباب بل دارت الحكايات حول تعرض السعوديين كأفراد.. وبعدين؟ وتروني أعني وأخصُّ وأقصدُ الأفراد، لا الناسَ ولا الشعوب، فهم مغلوبون على أمرهم، الأفرادُ هم المتحكمون في النهاية في عالمنا العربي.. والتعامل مع الأفراد يبدو من النظرة الأولى سهلا، ومباشرا، وممكنا.. ولكن يا له من سحابٍ خـُلـَّب.. يا له من سراب مخاتل.. ومن مؤشر خادع.
 
فالأفراد - خصوصا وهم على رأس السلطة، وذروة القوة- مختلفون تأصيليا بعدة طرق وبأكثر من وجه، فهم يريدون أشياء متباينة ومختلفة، ولكل منهم باعث خصوصي، ومولـِّد أخلاقي مغاير، واندفاع بوسيلة خاصة، وحوافز كامنة، وأهداف متوارية أو واضحة، وتعبير عن الغضب أو الطلب أو الابتزاز انطلاقا من كل تلك الصفات التي لا نرى أقوى منها في إثبات ما قلنا إنه متغلغلٌ فيهم كأفراد تأصيلا.
 
لذا فكل واحد منهم يرى بطريقةٍ مختلفة، ويفهم بطريقة مختلفة، ويستقبل ما يأتيه من الآخرين كلاما أو عطاء مادياً بطريقةٍ مختلفة، ويفسِّره بطريقةٍ مختلفة، ويصل إلى نتيجة مختلفة قد لا تخطر لنا على بال.. لذا فإن التعبير بالسلوك نتيجة، إنما هو يرتكز من تأصل كل تلك الصفات، فتـُملي الأعمالُ والتصرف، وتختلف قوة شذوذ، أو رعونة، أو اعتدال، من واقع مدى تركيز كل صفة من تلك الصفات التأصيلية. وعلينا أن نفهم شيئا في علم السلوك في الأنماط الشخصية.. أننا لا نستطيع أن نغيِّر هذه الصفات التأصيلية، قد نحتاج إلى وقت كي نسير في تيارهم ونفهم تفكيرهم ثم نبدأ في تغيير صفاتنا نحن تجاههم.. ولكن أن نغيرهم فهذا لن أقول إنه مستحيل الحصول.. ولكنه خطأ.. بل باهر الخطأ.
 
والأهم: إن أُخِذنا بمظهرهم الناعم والمتزلف مرة، ثم لُسعنا منهم لسعة أفرغت سموما في شرايين سمعتنا فلا نعطيهم يدنا كي تلسع مرة ثانية– والمصريون يقولون: الرصاصة التي لا تصيب.. تدوش - أي تضج وتصخب فيسمعها الجميع، والسماع الصاخب كاف جدا لشائعات صاخبة..وفي عالمنا العربي حيث تغيب الحقيقة والمصارحة والمكاشفة، البطلة الأولى هي الشائعة.. ولا منافس لها حتى الآن.
 
إن اختلطت علينا الأمور مرة فغفرنا الزلة.. فلا بأس، ولكن أن نعيد معهم الكرة، فهنا يجب أن تنظر إلى أن هناك خطأ جسيما، وهذه المرة ليس فقط من الجهة المقابلة بل من الجهة التي تقف عليها أقدامُنا.. وأروع ما قيل "لا يلدغ المرء من جحرٍ مرتين" بينما الجحر الذي نقصده، وبواقع ما أسميناه الصفة التأصيلية.. دائم اللدغ! يجب أن نعترف بهذه الاختلاف التأصيلي صفة وسلوكا وبالتالي نتيجة بين أفراد يحكمون بلدانهم بطريقتهم، وبين حكومتنا التي تحكم بلادها بطريقتها، فطريقة الحكم هنا تختلف عن طريقة الحكم هناك.. وبينما هذا طبيعي في العلم السياسي، ولكن ليس في الحكم العربي ما يعتمد ـ بالله عليكم - على أي صفحةٍ بله كتابٍ أو علم سياسي.. فبينما تتعامل الدولُ الناضجة جمهورية وملكية وفدرالية ودستورية وأوتوقراطية وثيوقراطية بنمطٍ تعاملي عاقل، ومن إملاءات الديبلومسية التي تقر السيادة بينما تسمح لمرور مياه التعاون التبادلي، تجاريا وتعليميا وسياسيا واجتماعيا.. ولكن الحكم العربي الفردي النزق لا يمكن أن يستوعب هذه اللعبة الراقية المحكومة بقوانين معرفية.. فكل فرد يريد بالقوة بالطرق لظاهرة أو المسارب الخلفية أن يغير الآخر.. هذا هو عنوان مسرحية اسمها حكم الزعيم العربي.. مسرحية من مشهدٍ وحيد، ونص متكرر.. يردده لك من القلب أي صبي أو صبية من الدوحة إلى نواكشوط. وبينما نوايانا المعلنة أن نعاون ولا نتدخل في شؤون دولة داخليا، ولكننا في عقلنا الباطن، أو الواعي، نأمل أن يتغيروا كي يكونوا مثلنا، أو نعتقد أنهم مثلنا.. وكلا الأمرين غير صحيح إطلاقا، ولا يمكن أن يكون صحيحا.
 
ولكم أعجبتني قصة قرأتها في صغري لآجاثا كريستي العبقرية البوليسية البريطانية، وهي بالمناسبة من أعظم من قرأ النفسية البشرية المتوارية، عن امرأة همها مساعدة ومد يد العون لصديقة.. وعندما قُتلت المحسِنة قام "هيركيول بوارو" بطل قصص "كريستي" العتيد، بإدراج الصديقة ضمن المشتبه بهم، ولما اعترض رفيقه الدائم، رد عليه: "هناك نوع من الناس يكون ألد أعدائهم من أحسن إليهم، بل أشد لأنها الغيرة مع الحقد مع الاحتجاج، فيكره صاحبُ اليد السفلى من يحسن إليه إلى حدّ البغضِ القاتل." وهذا في رأيي يصلح لما أنا وراء إثباته كثوبٍ مفصلٍ على جسد. يا حكومتي، إن ساعدنا الآخرين فعن طريق مكاتب تعمير وإنماء يرتبط مباشرة معنا إشرافا وتنفيذا وتمويلا.. والتعامل مع الأفراد مورِّط لأنهم من دافع الصفة التأصيلية يستقبلونه بفهم مضاد، ولن يتغيروا، لأن الصفة التأصيلية متشربة في الخلايا، وراسخة لا تزول وكأنك تطلب من أفعى أن تبلع نفسها!