أيها السعوديون: تبنوا العلماءَ والمخترعين
سنة النشر : 01/05/2009
الصحيفة : الاقتصادية
البروفيسور أحمد حسن صار يواصلني بالرسائل الإلكترونية، ولا عجب فهو من العلماء، والعلماء يدوّنون كل شاردةٍ وواردةٍ، ثم يحللون أجزاءَ أجزائِها، وهو يكتب لي عن كل شيء يصادفه، ويلاحظه، لسبب التدوين، ثم للوصول إلى النتائج المُرادة.
وهو رائدٌ من العلماءِ الباحثين في مجال التقنية الذرية في أمريكا، وأقنع جامعته، حيث إن له صوتا مسموعا، في نقل هذه التقنية وتطبيقاتها الصناعية إلى البلاد العربية.
الدكتور أحمد حسن لم يشاركني الرأي الذي أعلنته مرارا بأن جامعاتنا مقصرة ومتراجعة، وهو يؤكد لي بحماسة أنه يقيس الأشخاص، فيعتقد أن العقولَ السعودية الأكاديمية التي قابلها جديرة بأعلى المستويات العالمية.. ويؤكد لي أن أبحث عن التقصير في غير مسألة الأفراد.
ومن الإنجليزية، أنقل لكم الرسالة التي وصلتني منه وهو يغادر إلى الرياض، لبعض اللقاءات العلمية قبل أن يواصل رحلته عائدا إلى الولايات المتحدة: "عزيزي نجيب، أود أن أعبر عن تقديري لما تحاول أن تفعله وتسهم به في سبيل تطوير التعليم والبحوث والقدرات البشرية في بلادك من خلال كتاباتك ونشاطاتك الميدانية التي كنت سعيدا أني رافقتك فيها وإليها.
إن هذا شجعني على أن أخاطبك كي أضع رأيي وأفكاري فيما رأيته وجربته وشاهدته أثناء زيارتي. في الأمس تحدثت إلى الدكتور عبد الله العثمان مدير جامعة الملك سعود في الرياض، ولقد تابعت بعناية رؤيته المستقبلية في التخطيط لجامعته كي تكون من ضمن أفضل مائة جامعة في العالم بحلول عام 2020م.
ومن رؤاه الذكية، أنه سيقف في صف مع فرق عمل من العلماء العرب البارزين في العالم الغربي كي يسهموا معه حثيثا في تنفيذ مهمته المستقبلية الكبرى، وآمل أن يتقاسم هذه الرؤية مع كل الجسد الجامعي في البلاد، وأن توضع أمام الجميع حتى يتمكن كل من يستطيع أن يضيف عملا أو مساهمة أو فكرة لتفعيل الخطة بشكل أكبر وربما أسهل.
ورجال مثل الدكتور العثمان هم المنجزون لأنهم يحلمون، وأحلامهم مصوبة إلى أهداف ممكنة التنفيذ ويصممون على أن يصلوا إليها مهما كانت العوائق والصعوبات.
وأود أن أدلي بدلو من واقع معرفتي بالآلية الغربية، فالعلماء هناك والأساتذة هم دائما مشغولون بمهماتهم ويبذلون الكثير في سبيل تأمين أموال جديدة لدعم مشاريعهم وبحوثهم، بل إن هذا هو العامل الرئيس للحفاظ على أعمالهم وبحوثهم التي يقومون بها وتعزز قيمتهم العلمية.
ولذا أقترح بقوة تبني سياسة الوقف العلمي Endowment بتخصيص كراسي ممولة من القطاع الخاص لدعم العمل العلمي والتطويري والبحثي (ملاحظة: وهذه بدأت فيها الجامعات السعودية، وربما شرح معالي الدكتور العثمان للدكتور أحمد ذلك واقعا، وقد تستفيد الجامعة من أفكار إضافية وقيمية يجلبها عالِمٌ من جامعةٍ تطبق الوقف التعليمي من سنين..) كما أقترح أن يقوم الأساتذة الكبار في الجامعات السعودية وعلى رأسها جامعة الملك سعود، وهي كما فهمتُ الجامعة الكبرى في البلاد، باستضافة العلماء والباحثين والمخترعين الصغار بصفة شخصية، كمن يتبنى ولدا أو اثنين، فيكون كل بروفيسور سعودي كبير على عاتقه مسؤولية تدريب وتطوير ومتابعة عالم أو أكثر من الشباب الطالعين لمدة معلومة من السنوات – أو الشهور، حسب مقتضى الحال- ولن يكون هناك عائق أمام هذا البروفيسور الكبير طالما توافر له المال كي يقوم بهذا العمل الذي يتطلب جهدا وصرفا بالطبع.
ولكم أتمنى أن تعمد الجامعات السعودية، طالما توافرت لها الصناديق التمويلية، أن تعمم البرنامج خارج البلاد أيضا من خلال موقعها الكبير والقيادي في العالم الإسلامي، فتقوم بتبني العلماء الشباب المسلمين والمتفوقين وتقدم لهم برامج خاصة إما ببلادهم تحت شعار إحدى الجامعات السعودية، أو في الداخل في جامعة سعودية، وهنا سيزيد عدد العلماء المسلمين، وتكثر إنجازاتهم العلمية والتقنية مما سيسهم مباشرة في إعطاء الصورة المضيئة والحقيقية للإسلام، لأن لغة العلم والتفوق والتقنية هي اللغة التي يفهمها العالم الآن ويُجـِلـُّها، ويبعد عنها ما علق من شوائب غطت هذه الصورة البراقة واللامعة لديننا العظيم.
إنك تذكر أني أعجبت كثيرا بمن تعرفت عليهم من السادة النابهين حين اجتمعنا بمنزل الصديق صالح الحميدان، ولقد هزني بقوة اقتراح صديقكم السيد عايض القحطاني حول ضرورة مساندة العلماء المسلمين في العالم من خلال ميزانية تسهم بها القطاعات الاقتصادية في المملكة. وعليه أرجو أن تدعو من مكانك، وربما كان الدكتور العثمان له رأي مساند وداعم في ذلك، إلى أن تبادر الحكومة السعودية بتأسيس جهاز مؤسسي غير ربحي، لتوجيه أموال الوقف العلمي لتنمية هذا المشروع بكراسي متخصصة لدعم العلماء المسلمين في الجامعات العالمية، فوق فائدته المباشرة للمملكة وللإسلام، فإنه سينشر الأثرَ الذي نود أن تتركه هذه البلاد الكريمة في نفس كل بشريٍّ على الأرض.
وأن توجد خطة جاهزة ومقننة لربط هؤلاء العلماء المسلمين بحركة التنمية الاقتصادية في البلاد بالتنسيق الوثيق بين الجامعات والقطاع الخاص، وسيكون القطاع الخاص ضالعا مع الجهاز الأكاديمي في تحقيق نمط فريد وراق لامتيازٍ تعليمي واقتصاديٍّ معا.
وتأكد أنه يشرفني أن أقوم بأي عمل أو مساهمة من أجل بلادكم، وأي بلد عربي ومسلم.
من أخيك: أحمد حسن.