الدولارُ والريال .. مجردُ قطةٍ سوداءٍ تعبرُ الطريق!
سنة النشر : 01/05/2009
الصحيفة : الاقتصادية
أتأمل في واقعنا الاقتصادي، ومدى قسوة الظروف الاقتصادية على المواطن، واشتعال الغلاء، خصوصا ووزارة التجارة أعلنت أن نسب الغلاء لبعض المواد ستزيد إلى 30 في المائة صعودا قافزة من واقعها الحالي الذي هو في أعلى رفوف الغلاء في الأصل، بالنسبة ليد المشتري العادي، والعاديون هم ملايين..
وأتأمل في الحلول، ومنها التي تطرح مثل فك الدولار عن الريال، ورفع الأجور، وأرى كثيرا من الكتاب والخبراء يدعون لهذا الفك، ويطالبون بالزيادة، ثم يأتي آخرون ويقفون من الجهة الأخرى وينذرون بأن السماءَ ستكفهر، وستهب عواصف اقتصادية لو أننا تجرأنا وزحزحنا الريالَ ولو أنملة عن الدولار الناقع الاخضرار (حتى والدولارُ قد يبست أوراقـُه، فما زال بعض الخبراء يرونه أخضرَ يانعا مستعينين بنظارات بعدسات من ذات اللون!) .. وقلت مرة، وما زلت عند كلامي، إن لم يغير أحدٌ رأيي بالإقناع أو بشيء آخر، فإن الإغراق في توقع المصائب سيجلبها.
المصريون عندهم أمثالٌ حكيمة ومعبرة، فهم أيضا يقولون:( اللي بيخاف من العفريت.. يطلع له!) خصوصا لما يكون الخائفون من عفريت فك الريال من الدولار( أو إعادة ضبطه بقيمته السوقية أمام الدولار.. لا بأس) أو من عفريت زيادة الرواتب من المتشائمين الخائفين من العفاريت، فإن هذه العفاريت فعلا ستظهر وتجلجل وستزرع الرعب في العيون والقلوب، ثم تنعكس على واقعنا الاقتصادي عندما يكون الخائفون من العفاريت هم أصحاب القرار..
لو كان القائمون، أو المخططون، وأصحاب القرار في الموضوع الاقتصادي تصادف أنهم لا يخافون العفاريت فإن النظرة للحل بكاملها قد تتغير، ثم قد نفاجأ بشيء آخر.. أن العفاريت لم تظهر، وكل شيء سار على ما يرام..
سمعنا الويلَ والثبور سيحلاّن لو تجرأنا بلمس الحالة الساكنة بين الريال والدولار، وأننا قد ندخل عرينَ الأسود الجائعة، أو ندوس عشَّ الدبابير السامة، أو نطأ أرضَ ألغام مدفونة. فإن قام أصحابُ هذا الرأي تحت ضغط ما بتطبيق عكس ما يعتقدون، وهم المنفذون، فقد تخرج العفاريتُ، لأن العفاريتَ في أكثر الأحيان من خيالـِنا، وخيالـُنا قد ينشط ليضعها على أرض الواقع، فنتصرف تلقائيا على الأرض وكأن المشكلة حصلت .. فتحصل. يعني.. لو أحضرت شخصين، أحدهما ساكنٌ برأسه عفريتُ التشاؤم، وآخرَ رأسه خالٍ من العفاريت، ثم مرّرتَ أمام الأول قطة سوداء، فهو سيقول لك فلنحذر، يجب ألا نكمل الطريقَ ولنرجع عما نحن بصدده، لأن مرور قطة سوداء يعني شؤما.. ولو أن هذا الشخصَ أُجبر غصبا على إكمال الطريق فإنه (حتما) وهذا قانونٌ غريب غير مثبت معمليا ولكن من شيوعه أخذ قوته، ويعرف بقانون "ميرفي"، فإنه سيصادف ما يثبت تخوفه، وكأن التي تقوده روحُ الخوف أو التشاؤم.. ثم مرّر ذات القطة السوداء أمام الرجل الثاني الصافي الدماغ فإنه سيشير إلى القطة ويقول لك - إن تكلم - إنها مجرد قطةٍ تعبر الطريق.. لا أكثر.
وهنا فإن هذا الرجل لا يتوقع مشكلة من الخيال لتنعكس على الواقع.. فقد يصادف عقبات بالطريق، وقد لا يصادف، ولكن لن يربطها بتلك القطة السوداء، ولا بأي شكل.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى.. أن الناس تفقد الصبرَ، ولا يمكن أبدا لوم الناس لأن الأشياءَ لم تعد بمقدور دخولهم، وهي أشياءٌ تمس عظمَ حياتهم، لذا فإن مبررات عدم رفع قيمة الريال المستحقة حاليا أمام الدولار - واسأل السوق الخفي، وهو سوقٌ نشط ولم يعد حتى يحاول أن يخفي نفسه - لن يقتنع بها المتبضِّعُ في بقالة الآن وهو يعرف أن مجرد رفع قيمة الريال أمام الدولار في التو واللحظة ستنقص قيمة ما يريد من يده أن تتناول من الرف.. كما أن زيادة حالية للراتب ستضاعف في التو واللحظة قوته الشرائية.. وعندما نفعل فنرفع الريال والرواتب فهنا نحن عملنا ما يتوقع ويتمناه الناس، ويعرف الناس أن المسؤولين عملوا ذلك من أجلهم فيعم الرضا.. طيب فلنفرض أن الأمور بعد إقرار الزيادة أخذت تيارا معاكسا واضطربت الأشياء، فتأكدوا أن الناس لن يلوموكم، بل سيقولون لقد عمل المسؤولون ما في وسعهم من أجلنا.. والآن لنبحث عن الأخطاء، للحلِّ لا للوم! أقول جربوا أن تنظروا في هذا الموضوع المهم مرة أخرى، رجاء، موضوع إبعاد الريال عن مرافقه الحميم الدولار، أو أبقوه معه ولكن أعيدوا وزنه الحقيقي أمامه، بشرط أن تتحسسوا العيون فإن كانت هناك نظارة خضراء تـُزهِرُ اخضرار الدولار فانزعوها.. وإن رأيتم قطة سوداء في طريق الحل في زيادة الرواتب فلتعتبروها مجرد قطة تعبر الطريق!