سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية
مساء السبت القريب الماضي كان من أمسيات العمر..
تخيل لو قيل لك يجب أن تقابل رئيس أكبر شركة نفط في العالم، لتقول له شيئا يعتمل في ضميرك، كم من الوقت تحتاج.
تخيل لو قيل لك يجب أن تقابل رئيس أهم جامعة في الشرق الأوسط كم من الوقت تحتاج.
تخيل لو قيل لك يجب أن تقابل رجلا في رأس أكبر كيان بترو كيميائي في منطقة واحدة في العالم كم من الوقت تحتاج،
تخيل لو تريد أن تقابل رئيس شركة شيفرون، عملاق الطاقة العالمية، كم من الوقت تحتاج.
تخيل لو تريد أن تقابل نائب رئيس شركة جنرال إلكتريك، كم من الوقت تحتاج،
تخيل لو تريد أن تقابل من هُم أهم أعمدة كبرى في الجامعات الأمريكية، وعلماء اسمهم يدور في الدنيا، كم من الوقت تحتاج؟ بصراحة قد تحتاج العمر كله.. إن كنت محظوظا. أنا لم يستغرق مني هذا سوى أمسية واحدة! لا، لست رجلا خارقا، ولا أطير عبر القارات.لا، لست رجلا نافذا ولا صاحب اتصالات تعبر العالم. لا، لست شريكا في شركات الطاقة الكبرى، بل لست حتى حاجبا على باب من أبواب مديريها.. أنا مجرد إنسان حطـّت عليه ظروفُ الحظ.
ولكنه لم يكن حظا صِرفا، الحظ حمله إليّ الدكتور خالد بن صالح السلطان مدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، حين تفضل عليّ بدعوةٍ لحضور حفل عشاء خطابي كان فيه أربعة عشر رجلا من قامات العالم.. أما هؤلاء العصبة، الذين هم كفيلون وكافون لتكوين بنك أدمغة عالمي، فهم مع الدكتور خالد، في جامعته، جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، واحدة من جامعاتنا التي نحملها بأكفنا خوفا وحماية وفخرا.. ولكن معه أين؟ هم المجلس الذي يشكل عقلا جماعيا خلاقا وحافلا وعالميا لوضع الدراسات والاستشارات لتقييم ووضع الخطط لمستقبل هذه الجامعة.. في ذاك المساء القريب، انفتحت أمامي ستارة كبرى، ومن وراء الستارة وقفت هذه الجامعة على المنصة لتؤكد لي، ولكل من وضع يده يوما يخاف أن تتراجع هذه الجامعة العتيدة، لتكشف عن ثقة وثبات نيتها لشق طريق المستقبل لتكون جامعة لا تخرج أفضل عقليات البلاد فحسب، بل لتكون قاطرة تقود الحركة الجامعية بالبلاد إلى حيث يوجد العالم المتقدم.
إن وجود هذه الشخصيات العالمية سيخلف حتما أثراً باهراً في حراك الجامعة العلمي والتطويري والأكاديمي والبحثي، فلن ترضى عقولٌ مثل هذه أن تكون مجرد أسماء لامعة على طاولةٍ لامعةٍ فحسب، فسمعتـُها صقيلة أيضا، وليست مستعدة بأن يمسها شائبة.. فهي ستعمل على ابتكار الحلول والوسائل للرقي النوعي والكمي بالجامعة، وليس من جبلتها ولا طبعها أن تقضي الوقت لتبادل مناسبات المجاملة، وإهدار وقت يكال بالنسبة إليهم بالذهب..
الحفلُ كان رائعا، منسقا، وبسيطا، والشخصيات كانت متميزة بكل مقاييس التميز، ورأيت كيف تندمج العقولُ السعودية مع العقول العالمية الكبرى وتتبادل معها جدية العمل والعلم والزمالة، وكنت أنا مثل من وقع في كهف الكنوز، ولا يدري كيف يوزع دهشته، وأي صندوق يتناول، وأي جوهرة يلتقط، فقد كان كل المكان يبرق بأثمن ما على الأرض بلا منافس، لا لم تكن أنفس المجوهرات وأندر الأحجار الكريمة، بل أغلاها على الإطلاق رغم شيوعها، كان المكان يبرق لماعا خاطفا بأجمل العقول.. لذا يدور شخص مثلي وكيسه فارغ يريد في لحظة صغيرة، مقتبسة من الزمن، أن يملأ هذا الفراغَ بكل ما يمكنه وبجميع طاقته، لذا تنقلت كالطفل الفرح في متجر الألعاب من مكان إلى مكان، ومن شخصية إلى أخرى، ولم أكن أستطيع أن أترك أيا منهم، فهم مبهرون في الكلمة والإيماءة، ولكن المكان أيضا كان به أشخاص مثلي يدورون بأكياسهم! وكمدمن للكلاسيكيات في الكتب والفكر، تطرأ علي أشياء كثيرة في المناسبات الكبرى التي يحدث أن أكون على هامشها، وأتذكر سطورا قالها عباقرة مضوا وبقيت أفكارهم تلاحق الزمن، وتصفه وصفا مبهرا، وما تحسبه مجرد بلاغة من حُلي الكلمات إذ هي تتخلق في الواقع أمامك يوما..
إن لقاء هذه العقول في الخبر مساء السبت وضع العالم أمامي، وأبان كيف أن العقولَ البشرية متى كُرست للفائدة العلمية ومصير الإنسان الكلي ذابت سخافات الفرقة البشرية في اللون والمحتد والجغرافيا والانتماء، وصرنا كلنا بشراً على أرض واحدة، وكلـُّنا نريد الأفضل.. لكلـِّنا.
لقد قفزت لي حاضرة طازجة من السطور ما قالته موهوبة غادرتنا قبل سنوات قليلة وهي "إيدورا ولتي": بأن السر الأكبر لتطور البشرية هو تواصلٌ تاريخي بين عقلين.."، صحيح جدا. عقلان؟ إذن ماذا تسمي التقاء وتواصل عدة عقول مصفاة من عقول العالم؟ ماذا؟ سر الأسرار؟ ربما.. على أن الدكتور خالد السلطان وصحبه الكبار يسمونه: "مجلس جامعة الملك فهد الاستشاري الدولي"!