رزان، سلمى.. والعالم

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
تفضلت علي الأستاذة رزان بكر من جريدة "عرب نيوز"، فأجرت معي هاتفيا حديثا حول موضوع البنت "سلمى" التي تكلمنا عنها هنا في هذه الجريدة في أكثر من مقال، وعلق عليها الكثيرون، ولقد أفرحني جدا التفاعل الكبير من قطاعات الأمة حول موضوعها، بل حول كل موضوع أبنائنا المتروكين في الخارج الذين يواجهون، وحيدين بلا توجيه من أب ولا رعاية ولا حدب، صروفَ الحياة في مجتمع ليس مجتمعنا، وعادات ليست عاداتنا.
 
والقصصُ التي وقعتُ عليها شخصيا لو كتبت على مآقي البصر لكانت عبرة لمن اعتبر.. وهذا الذي جعل الفتاة النابهة الصحفية في جريدة "عرب نيوز" تتحمس لموضوعها، وللموضوع بشكله الأعم، ونضّدته بتقرير ظهر في الجريدة .. ولا أدري إن كانت الأستاذة رزان تتوقع ما الذي سيحدث بعد النشر، أو الذي حدث بالفعل .. أما عني فالذي حدث تعدى كل آفاق توقعاتي.. فجأة تجمع العالمُ بأصقاعه في بريدي الإلكتروني.. من ساعات الفجر الأولى أذهلني أن رسائل وصلت من كانبيرا وسيدني في أستراليا، ومن نيروبي في كينيا، ومن فرنسا وبلجيكا، والهند وباكستان وإيران وأفغانستان وسنغافوراة وغيرها، ومن مقيمين داخل البلاد.. والجميع لديه حكاية، والأكثر يمدون يد المساعدة، أو يتساءلون كيف يبدون أوجه العون.. أما القصصُ فدامعة حزينة مقهورة حائرة ضائعة وزائغة.. ولقد تجمدتُ أمام شاشتي وأوجعني قلبي، واتصلتُ بسفراء أعرفهم، واتصلت بأصدقاء طالبا العون كل في البلد الذي يقيم فيه.
 
وما فعلته "رزان بكر" كان كبيرا وواسعا ومؤثرا وحركت موجات ضربت ساحل النفوس الوحيدة المتروكة عنيفا.. قصتان تحكي حالنا: رزان البنتُ السعودية التي تعلمت وتفوقت وعملت وبذلت نفسها وعملها من أجل بنات أمتها، من أجل ضميرها، ومن قبل من أجل الله، وسلمى البنتُ السعودية التي لم يتح لها ولم تعط الفرصة لتكون ما كان يجب أن تكون، حين تركها أبوها السعودي، وتنبري لها شقيقتها ومواطنتها رزان.. وآلاف مثل رزان.
 
قصتان أحدهما مضيئة تبهجُ القلوبَ، وأخرى كاتمة، موجعة تهصر القلوب.. ولكن سيغشي الضياءُ الظلامَ، فيسري فيه كما تسري الشمسُ في نسيج الليل.. حتى الإشراق الكامل. وأنقل لكم بعض ما ورد في بعض الرسائل التي وصلتني، وكيف يمكن أن يتفاعل العالمُ مع قضيةٍ إنسانية، والرسائل التي وصلتني كلها سواء من مسلمين، أو ممن كان يجب أن يولدوا وينشأوا كمسلمين.. ولكن..
 
- "أنا اسمي ماريا تيريزا من الفلبين، قرأت ما كتبته رزان بكر في جريدة "عرب نيوز"، وتأثرت به، لأن خادمتنا السيدة روزا لها ابنة في السابعة عشر من أب سعودي غادرها دون أن يعود، واسمها هايا (ربما هيا) أما لماذا اضطررتُ أن أقرأ المقال على هايا فلأنها أمية لا تجيد القراءة، كما أنها لا ترى جيدا لأن مرضا أصاب عينيها وهي صغيرة ولم يمكن علاجها لضيق ذات اليد.. الذي قالته هايا جملة واحدة ثم بكت وهي: ماذا أستفيد؟ هل سيكون السيد الزامل أبي؟ هل ستقبلني كاتبة المقال كواحدة منهن؟ ثم.. ملاحظة في آخر الرسالة: أود أن تعلم يا سيد الزامل بأن هايا لا تترك كتابكم المقدس أبدا (القرآن).
 
"ماريا تيرزا- تقنية أشعة، كافيتي - الفلبين. - "أهلا يا سيد الزامل: أدعو الله لك بالتوفيق في مهمتك الإنسانية، نحن أسرة من كانبيرا من أصل لبناني مسلم، وقد هزنا موضوع سلمى التي كتبت عنها رزان بكر في "عرب نيوز"، وندعو لها وكنت أتحدث مع زملاء في المركز الإسلامي هنا، وقررنا أن نقدم أي مساعدة ممكنة في الموضوع، وإن أعطيتنا عنوان سلمى فسترسل لها بنات الجالية بعض الرسائل والهدايا وبعض الأشرطة التعليمية في اللغة العربية والعلم الديني". يوسف آدا- كانبيرا. - "أرجو أن تجدك الرسالة وأنت بخير، آمين.
 
اسمي حكمت الله من قندهار - أفغانستان، قرأت اليوم "مقالتك" عن الأبناء السعوديين المتروكين في الخارج، لكم كان محزنا ومؤثرا ومغضبا أن أعرف عن الآباء الذين يخلفون أبناءهم وراءهم في بلدان غريبة وظروف صعبة، وتأكد أني سأكون على أهبة المساعدة لو عرض الأمر علي، وأدعو الله أن يوفقك ويجزيك خيرا على مساعيك لمساعدة إخوانك المسلمين" - حكمت الله - قندهار، أفغانستان. *تعليق: هذا الرجلُ من أفغانستان المقطعة حربا وويلات ويرقّ قلبُه، وبعض الناس يبست قلوبهم من آخر قطرة رحمة، أو تأنيب ضمير.
 
- "أخي نجيب: رأيت هذا المقال في "عرب نيوز"، والذي يصف عملك في رصد ومساعدة الأبناء الذين هجرهم آباؤهم في الشرق الأقصى، وحيث لم يحدد البلد، فأبلغك أني محام من ماليزيا وعلى استعداد للمساعدة بأي وسيلة ممكنة، وتجد هنا عنواني وكامل التفاصيل الأخرى.." رادن أحمد شوقي- ماليزيا وأقول لأخي المحامي الماليزي، نعم إني أرفع قضية كبرى.. أرفع قضية أولادنا المهجورين إلى محكمة الله.