.. مؤتمرٌ مضيءٌ أقيم بالخفاء!

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
"عزيزي نجيب، نشكرك على حضور مؤتمر الخطابة Toastmasters International، الذي أقيم يومي 17-18 نيسان (أبريل) 2008، ونأمل بالتعاون معك أن نحقق تقدما نوعيا لخدمة مجتمعنا. عبد اللطيف الحارثي."
 
.. سأحدثكم اليوم عن مؤتمر أقيم في الخفاءِ الإعلامي، وهو يُبهر بالضياء، وعن برنامجٍ هو من أفضل الأدوات التي تغير الشخصيات، وتحولها من النمطية إلى آفاق القيادة.. ولكن لا يعرف عنه القادة التعليميون هنا.. للأسف الشديد. مؤتمرٌ لو حضرتموه لتعجبتم من إبهار القدرة الإنسانية على: الخطابة، التأثير، عبقرية الإقناع، سمو اللغة، سعة الثقافة، رحابة الفكر، سرعة الخاطر، وقبل ذلك الكثير الكثير من الجد والعمل والاجتهاد، شبابٌ يبهرونك بالمقدرة التي لم نتعود أن نراها إلا بين من نسميهم العباقرة على الأرض.. وإذا البرنامج الذي أقيم له المؤتمر يكيل لك شخصيات خاما جاهزة لتولي القيادة في أي مضمار.
 
كانت فرصة من ذهبٍ أن تعتني إدارة التعليم، والإعلامُ، بمؤتمر بهذا الحجم والأهمية، أمَّهُ ما يقرب من الألف شخص غصّت بهم كبرى قاعات فندق الميريديان في الخبر، وكان أفضل مؤتمر تنظيما رأيته في حياتي، ولا تسألني عن كم مؤتمراً حضرته فقد وقفت عن العـَدِّ من زمن، بل إن الأمريكي الشهير "راندي هارفي" المؤلف والأكاديمي، والفائز الأول في العالم في الخطابة، الذي يدور الأرض ليلقي المحاضرات عن فن الخطابة والقيادة، قال لنا إنه حضر في عدة دول مؤتمرات شبيهة ولكنه لم ير مؤتمرا بهذا التنظيم والدقة والفاعلية مثل مؤتمر الخطابة هذا الذي أقيم يومي الخميس والجمعة الفائتين.. ولم يبالغ السيد "راندي"، ولم يكن هناك إغراءٌ ليقدم شهادة سيتناقلها العالم إن لم يكن واثقا من كل كلمة.. فقط كي أخبركم عن مدى رقي وأهمية ذاك المؤتمر الذي أقيم ليكون متفوقا، وقد تفوق فوق حتى آمال منظميه.. ورأينا الشبابَ يشعلون ملودات العبقرية أمامنا، وكنت أقول في سرّي: كلٌ من هؤلاءِ لابد أن يكون يوما قائدا.. الإخفاقُ لم يكن منهم أبدا، الإخفاق أننا نقول ونزيد ونعيد يا جماعة ابدأوا بتغيير الشخصيات النمطية، ازرعوا المهارات، رسخوا الثقة، مرّنوا عضلة الدماغ بالتفكير والتصرف في الموقف الضيق، اشحنوا طاقات المنافسة والتفوق، ويذهب الحريصون إلى تجارب العالم المتقدم، ولكن أن يكون التـفوق المبهر بين أضلعنا ولا حتى نعرف عنه، ولا نحاول، ولا نهتم، فهذا يوحي بشيءٍ واحد، وأرجو من كل قلبي أن أكون مخطئا.
 
إننا يا جماعة لسنا جادين.. لأن التنظيم المبهر للمؤتمر، والجمهور المثقف والمرتب والمتفاعل، والأحداث المتداخلة والمنمقة كتداخل تروس بحركة رتيبة منتظمة في ساعةٍ سويسرية، والمهارات الشاهقة التي كدنا يوما نيأس من وجودها بيننا، كل ذلك لم يمنع منظمي المؤتمر أن يقولوا لي إنه خابت آمالهم رغم كل الإبهار والنجاح الخفاق.. لأن لا أحد من صناعتي التعليم والإعلام حضر هذا المؤتمر، وعجبت أنا أيضا، مؤتمرٌ يُقـَدَّمُ للعالم وليس لنا فقط كإثباتٍ على التنظيم والتفوق والتفاعل الجميل، والمساهمات المتبادلة بين السعوديين وخليط الجاليات المقيمة على أرضنا، وتفاعل العقول، حتى صاروا نسيجا في قماش واحد فكرسوا كوننا كسعوديين نتفاعل مع العالم ونستضيفهم بأريحية ونتفاعل معهم عقلا وفكرا وعملا ونصادقهم ونحبهم، وأن بإمكاننا أن نجعل من أنفسنا محبوبين ومنتجين وعالميي النظرة والامتداد.. ولكن غاب من كان يجب أن يحضر كي تنتقل التجربة لأجيالنا المسكينة التي لم يكن لها الحظ لتحظى بهذا البرنامج وطرقه التعليمية والإعدادية والتدريبية.. لأن البرنامج ينحت الشخصيات وكأن إزميلَ النحات الأعظم يعيد التكوين من جديد.. فحزنت لأجيالنا الطالعة الذين تصرعهم: الموضة، الفضائيات، الواجبات الصماء، والولاء للفرق الأجنبية، وفراغ كبير يدور في العقول.. بينما أرى أمامي عقولا شابة تحرّك الجبالَ بالطموح والذكاء والقدرة على التعبير من واقع ثقةٍ وبحث وجدِّ وتدر‏يب، ضمن برنامج أثبت أنه يغير مسارَ حياة الفرد.. وأخبرنا الأخ العزيز رجل الأعمال "عبد الله بن علي المجدوعي" قصة (وهم يقيمون مسابقات الخطابة داخل شركتهم) كيف أن سكرتيره الشخصي لأربع سنوات التحق بدورات الخطابة، ثم بعد أن أنهى البرنامج أتي له وقدم له ورقة للانتقال إلى أعمال الإدارة العامة في الشركة، لماذا؟ لأنه يريد أن يتقدم.. لقد نحت البرنامجُ فيه شخصا جديدا، طموحا، وقادرا على تحقيق الطموح.
 
ليت ندوات القيادة التي تقام الآن من قبل الجهات التعليمية الرسمية في منطقتنا اطلعت على صنع القادة في أل"توست ماسترز".. سادة الخطابة. نعم سادة الخطابة اليوم.. وقادة كاملو الإعدادِ للغد!