اليوم مع الملك
سنة النشر : 01/05/2009
الصحيفة : الاقتصادية
كلما تقرأ في سيرة القادة مثل الملك عبد العزيز وتشرشل والمهاتما غاندي وفرانكلين روزفلت، ونهرو، ومخاتير، ونيلسون مانديلا.. تجد هذا الخيط الذي يكون قماشة القائد الفذ، خيط يكشف أن كل قائد تدفعه حمية وطنية لا تخمد، وحب منقطع لشعبه لا يكل، بل يتضاعف كلما كثرت عليه الضغوط والمحن وتكالبت الصعاب، وأنه يمنح لكل فردٍ في أمتِهِ الإلهامَ والأملَ أن سيكون لهم مكان محترم تحت الشمس.. والقائد يجيد الاستماع لصوت الشعب، بأذنه وبقلبه وبروحه.. عناصر القيادة خليط لا تدرّسه المعاهدُ ولا الجامعات، إنه تجهيزٌ سماوي ينضج ويُثمِر بسماد تجارب الأرض.. اليوم سيلتقي مشاركو الحوار الوطني من نحب ونفخر أن نراه من القادة المعاصرين.. الملك عبد الله، والمشاركون يمثلون قطاعات الشعب، ويعبرون عن آماله، ويحملون همومه ومشكلاته، هذا ما نعتقده ونرجوه.
واليوم سيكونون أمام فرصة كبرى للتحدث للرجل الأول في البلاد، المواطن الأول، وحامل الهم والأمل الأول.. والملك عبد الله عودنا على الإصغاءِ الحادب، وعرّفنا بالتجربة المعاشة كيف ينبض قلبه من أجل مشاكل الشعب، ويحمل همّ ارتقاء الأمة.. والقائد يتميز بسماعه صوت الناس، وصوتُ الناس ضمير الأمة ينادي، بعيدا عن لغة الاجتماع الرسمي، وتيبس التقرير الوظيفي، وإملاءات وبروتوكولات بعض الجهات الحكومية.. إنه صوتٌ متحرر، صوت ينقل المشكلة بصدق ومن تراب الأرض بلا تحوير ولا مبالغة.. ومن هنا كان يجب أن أنطلق في الحديث عن أن كل مشكلاتنا، ومنها مشكلة العمل، همنا وأرقنا الإستراتيجي، لاتهبط علينا كحجارةٍ سوداء من السماء، ولا تنبت غابات زقوم من الأرض، نحن نصنع مشكلاتنا بأنفسنا.
وسيكون دائرا في عقول الحاضرين الحقيقة الأولى، بأن المنهج الذي صنع المشكلات في الأمة، لا يمكن منطقا أن يكون هو المنهجُ الذي تحل به تلك المشكلات.. لذا الاجتماع المقتضب القصير مع العاهل لا بد أن يكون منظما، مركزا، ومعبِّرا كثيف المنطق، يحمل معظم الرؤى، وإن أمكن معظم طرق الحلول.
ومما نعرفه من الشخصيات التي ستحضر الاجتماع يتوقع المرء أن تُستـَعرض الخطوطُ العريضة الكبرى لواقع الأمة في سوق العمل، والمشكلات الاجتماعية والحكومية خارج نطاق العمل ونظامه والتي تؤثر مباشرة في سوق العمل، كالتعليم والتدريب، والفرص، والتوجه، والعادات. الخط العريض الأول: مشكلتنا ليست مشكلة عقول، فأنت وأنا نجتمع معا، ونسأل، ونعرف مسؤولين كبارا ونقدر لهم ميزاتهم العقلية، ولكن يحدث خطأ متكرر في عرف العمل الرسمي يجعل هذه العقول لا تعمل بطاقتها، وأحيانا تعمل بعكس طاقاتها، فإذا لم تـُحرّر هذه العقول من ضغوط واقعية أو وهمية تحد من جرأة العقل على التفكير الاستراتيجي الكبير فإن التقدم سيكون مجرد كلمةٍ مكتوبةٍ على خطةٍ من ورق، وهذا الورق أفضل ما سينتفع به.. إعادة التدوير.
لقد رأينا وفهمنا من نظريات انزلاق الأمم إلى سفوح التأخر أن من مظاهرِهِ أن تكون بالأمّةِ عقولٌ كبيرة تشتغلُ في أمورٍ صغيرة.. عدد لي كم مسؤول هُمام ومتفوق من مسؤولينا وهو يدير قطاعا استراتيجيا يؤثر في حياة الأفراد اليومية ينشغل بالساعات وربما الأيام في إقامة حفل استقبال مثلا؟.. لو نظرنا فقط لهذه الزاوية وأدرجناها في حساب الربح والخسارة لعرفنا بدهشةٍ محزنةٍ كم من الساعات الطوال ضاعت بأمور مماثلة، وأحيانا بحماسةٍ تفوق حماسة التفكير في الأمور الكبرى.
الخط العريض الثاني: في التطبيق والمراقبة، من أبأس العوامل التي تشد بحبل وثيق مرساة السفينة إلى أرض السكون وعدم الإبحار، وجود عقول كبيرة للخطط، ثم إيكالها لعقول صغيرة لتراقب نشاطات عقول أكبر! إنها من مآسي المجتمعات. تقيم مختبرا متقدما فيراقبك من لا يعرف تهجئة المشروع، ويقام مصنعٌ متقدمٌ ويراقبه من لا يعرف الصناعة إلا في أدراج المدرسة.. وهنا النتائج صاخبة، لأن النتائج ليست من واقع التخطيط والمشاريع، ولكن من واقع العامل النفسي المعروف في التسلط المَرَضي لفارق المعرفة.. والذنبُ ليس على المراقب ولا صاحب المشروع.. بالطبع! الخط العريض الثالث: من أخلاقيات التعامل بحضرة الملك، وهذا تدركه أخلاقيات الحضور، الظهور بمظهر المساند لآمال الدولة، وليس المظهر الانتقادي الجاف.. وسيكون التركيز بخط أسودٍ ثقيل، بأن الأخطار موجودة، ولكل مستقبل أمل.
ولن يدعي أحد أنه يملك كل مسالك الحلول، الأهم الآن أننا عرفنا من تجاربنا الماضية طرق الفشل.. وأول نجاحنا هو تجنب السير عليها مرة أخرى! الخط العريض الرابع: المثل الهندي يقول: "أعطِ المرءَ ذرة ًمن الذهب وسيظن أنه المهراجا".
الشعوب مطالبها ليست ضخمة، فهي في الغالب واقعية، وتلبية الأشياء الملحّة حاليا في السكن والغذاءِ والصحةِ والتعليم والتدريب وعدالة الفرص، وعدالة التوزيع ستجعل الشعبَ وقد تحولوا في الغد إلى مهراجات يدورون فرحا في الدروب. الخط العريض الخامس: سيقول الحضورُ في حضرة الملك إنهم يودون من الآن سماع المسؤول لا يعلن فقط عما أنجر، ولكن أن يعلن عما لم ينجز.. مع أسباب كليهما.
الخط العريض السادس: سمعتنا الخارجية، وهذه تصب في سوق الاستثمار مباشرة وبالنتيجة في سوق العمل، فسيقترح الحاضرون أنه يجب ألا يهمنا الخارج فنهرع إلى تصنيع وجهٍ جديد من أجلهم، علينا العمل على سمعتنا الداخلية بتحسين ظروفنا السلبية بمجتمعنا، ولن نقلق بعدئذٍ بكيفية نقل سمعتنا للخارج.. سمعتنا ستقوم بكل العمل! الخط العريض الأخير: أننا لم نرث مقدراتنا وثرواتنا الحالية، ولكنا في الحقيقة نقترضها من مستقبلنا، نقترضها من مقدرات وثروات أبنائنا! ينا وفهمنا