أولادُ الخُبر.. وبناتها

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
 مدينة الخبر تقدم أنموذجا لمدننا في كل البلاد، فهي من أجملها، وأحلاها، وأكثرها أناقة، وتتهادى بنيافةِ الجمال على شواطئ الخليج.. وتسأل نفسك لماذا الخبر؟ هل هي المدينة المدللة؟ ولكن يوقظنا سؤالٌ منطقيٌ آخر، لماذا حصلت على الدلال؟ إن كان الدلالُ هو المبرر والسبب، فلا بد من ابتداء، أي مفتاحُ إشعالِ لأي حركةٍ في الوجود.. ودائما وأبداً وأزلا نكتشف أن المفتاحَ هو العنصر البشري. فالمدنُ لها ظروف متشابهة وإمكانات متشابهة، والذي يصنع كل الفرق هو ناسُها.
 
هناك بلدية في كل مدينة بالمملكة، ولكن لمَ تنامُ بلديةٌ في مدينةٍ ما أو تعبث وتقود العابثين، وبلدية أخرى تزهر فتتناثر أزاهرُ أعمالها على الجادات والطرق والحواري والمرافق والتسهيلات؟ الجواب الصارم أنهم ناس المدينة، هم الذين يحددون هوية وشخصية مدينتهم، بل يصنعون ردتها وطموحها، وتهاديها ودلالها على الشواطئ أو فوق السهول أو على أطراف الجبال أو وسط البراري.. إذن، في مدينة الخبر الفرق هو الناس، أهل الخبر تفوقوا، ولا بد أن نعترف بذلك، ومن أراد التردد في الاعتراف فهذا شأنه، فهم ماضون كل يوم في جديد.
 
وكنا نظن أن العملَ مقصورٌ على الرجال، وكانت النساء تتشكى أن المرأة لا يُتاح لها العملُ في مجتمع حاد المحافظة، وغليظ الحراسة على النساء، فإذا بسيدات الخبر يقدمنَ في وقت قصير أعمالاً مذهلة، وأنا مطلع عليها وأكثر أهل المدينة أيضا، طوّرنَ بجهدهن المكرَّس، ومن أوقاتهن الخاصة، ومن جهودهن الذاتية أحياءَ وأطرافَ المدينة الأقل حظا في التبرعات الخيرية، وعملن عملا مجيدا إذ غيّرن إيقاع الحياة الراكد بها والباعث على الجهل، والجهل يقود إلى الفقر، والفقر يصب في منبع الشرور، وكانت تلك الأحياء نبعا جاهزا لينطلق منه جدولُ الشرِّ فيسقي العلقمَ قلب المدينة لولا أن السيدات الخبريات كان لهن رأيٌ آخر، وانعكس هذا الرأيُ على المدينة وأجوائِها، فرقّ النسيمُ بانقطاع حبائل الفقر بالعمل، وتسربت أشعة الشمس لتنير الجادات والبيوت المظلمة تبشر بفجرٍ جديد.. قل لي يا سيدي، ويا سيدتي، كم مقال سطرناه، وكم حنجرةٍ تشققت، وكم بحثٍ أعد، نشكو ظاهرة الشباب السعودي وكسله وتقاعسه، واعتماده على مدَدِ الحكومةِ أو مدَد السماء؟ وهذا في بعض نقاطه صحيح، ويجب أن نعالجه، بالدواء الشافي، لا بالمسكنات التي تخلق مرضا فوق أمراض.. والواقع يكشف أن في قلوب شبابنا براكين طاقات من العمل والإبداع والحماسة، ولكن من يفتح الفوهة كي تخرج هذه الطاقات للعمل على الأرض.. فالقيود كثيرة، والحوابس أكثر، ودائما أقول - وهو ليس اختراعا جديدا- إن الإرادة ما خلقت إلا لكي تتحدى الحوابسَ والقيود، وأن العقلَ ما وجد إلا كي يتخطى الحوابسَ والقيود، وهذا يحتاج إلى مجتمع فاعل مستنير متماسك ذي صوتٍ واحدة، وحب للمدينة يشكل قلبا خافقا واحدا.. وهذا ما أتاحَ الجو النقي لكي تنمو إرادة مَن سمّوا أنفسهم، "الخبر بويز" و"الخبر قيرلز"، وأحببنا أن نسميهم أولاد الخبر وبناته! وهؤلاء الأولادُ والبنات يريدون تطوعا أن يقدموا خدماتهم لمدينتهم في كل قطاعاتها، وتابعت نشاطهم من البدء، ولما خاطبوني في البدايات، وحكوا لي بعض العوائق، خفت على حماستهم أن تخبو، وأن يُغتال هذا الشعورُ الفتـِيّ المنطلق قبل أن يطير من مهابطه.. ثم غابوا، وغاب تفاؤلي لأن حركة وُئِدَت قبل أن تمشي، ونحن نحتاج إليها أكثر مما نحتاج لأي شيء آخر لسببين: الأول، إن التطوع عمل مدني يفرق بين المجتمع المتخلف المتواكل، وبين المجتمع الفاعل المتقدم.
 
والثاني، لأن الشباب هم مولدات التقدم، وهم طاقته، وهم وقوده، وهم قاطرته وعرباته وسكة قطاره.. وأسفت، واستبد بي الأسف، وأظنني كتبتُ شيئا عن ذلك.. ولكن لم يغب الشبابُ، فإنك حين لا ترى الشمسَ فهذا لا يعني أنها ذهبت في سُبات، ولكنها ذهبت لجزءٍ من العالم لا نراها به، لتواصل أداء عملها الأزلي. والشبابُ والشابات الصغار لم تغرب شمسهم فكانت تشرق كل تلك المدة على أمر مهم، ومفاجئ، وهو إعدادُ خطةٍ وتنظيم وحملة علاقاتٍ وتحديد استراتيجيات.. وإذ تشرق شاشة جهازي بواحدة من أجمل الرسائل التي تصل لمن يريد أن يرى نورا ليس في آخر النفق.. ولكن من أوله لآخره.
 
وصلتني منهم خطة، يحلم بها أكبرُ مخططي العمل التطوعي، بل كبار تنفيذيي الشركات الكبرى، خطة متكاملة تصلح لأي مدينة ليس في بلدنا ولكنها خطة إنموذحية تقدَّم للعالم. ولك كل الحق أن تقول إني أبالغ، وإنه جرفتني موجة الحماسة، وأقرّ وأعترف أني مشتعل العاطفة، متوقد الحماسة وإنهما قد يغطيان رؤيتي الواقعية والذهنية، وهذا أمرُ الله، ولكن خطة أولاد الخبر وبنات الخبر هي التي يجب أن تـُقدم لكم، لتقرروا بأنفسكم.. ولو رأيتم مبالغة متعدية، فاحسبوني من بلهاء العاطفيين.. وهل هم أو أنا نحتاج إلى عاطفة وحماسة؟ وهم لمّا يبدأون، كم تعتقد وصل عدد الأعضاء وهم في فترة الأعداد فقط؟ عشرة؟ عشرين؟ مائة؟ لقد أرفقوا مع خطتهم العلمية والعملية صورةً لاحتفالهم بالعضو رقم... ألف!