ليلةٌ من حياتي..

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
كانت ليلة الخميس الماضي من ليالي حياتي، كأن تحلم وأنت مستيقظ، كقصة خرافية، كأن تدخل محلَّ مجوهرات ومعك تذكرة مفتوحة لأخذ ما تستطيع أن تحمل.. كانت السماءُ أقرب، وكدتُ بيدي أقطف النجوم، وأنا أرى حولي الأسماءَ المطرَّزة بالفكر والشـُهرة من كُتـّابِ الصحفِ بالمنطقةِ الغربية.. أسماء كبرى اجتمع معهم تحت سقف واحد. وهذا من فضائلِ الشهر الكريم عليّ.
 
ولا بد أن نوضح أشياءَ مهمة اليوم بما بما كتب في الصحفِ عن إقامة منتدى للكتاب في جدة بمبادرة من المجتمعين بتلك الليلة تحت ضيافة منتدى أمطار الذي تشرفنا إخواني وأنا بتأسيسه، ويديره الأستاذ المثقف أحمد الشمالي، واستعنتُ بالصديق الأستاذ الصحافي عبد الله الطياري ليسهم بجهد كبير في إقامة وإنجاح ذاك التجمع القيم.
 
المفهومُ وراء الفكرة بشكل عام، حسب نقلي وفهمي شخصيا، نبع من فكرةٍ متأصلةٍ منذ زمن عندي لتقارب الكتاب، وتعرفهم على بعضهم بعضا بشكلٍ شخصي، لأنه باللقاءاتِ والمعرفة الشخصية تنمو مداركُ جديدة، ويتكاشف الناسُ أمام بعضهم، فيحصلون على الانطباع والتقييم الحقيقيَيْن، كما أن التواصلَ غير الرسمي في النظريات التنظيمية الإدارية هو الأقوى والأجدى والأسرع تأثيرا، و.. الأكثر تنازلاً. فتنميةُ الأواصر الشخصية تسمح لطيفٍ أوسع من الأفكار المختلفة أن تمر تحت قوسٍ واحدٍ بلا اصطدامٍ ولا ارتطامٍ ولا تزاحم، فتنسابُ في مصبٍّ رغم اختلاف النظرات، وتضارب الأفكار.. إن الغـُرباءَ هم الذين يتصارعون بالأكتاف ويتعاركون في الزحام. عندما تكون الوجوهُ بلا ملامح، تتبعها أفكارٌ ليتها بلا ملامح، ولكن تتخذ ملامحَ بعيدة في معظم الأحيان عن الحقيقة، لأننا تسلمناها بوعائِنا الفكري من وعاءٍ فكري لم نعرفه ولم نتعرف عليه، وعندما يبعد التعارفُ يقرب التنافر، علاقة عكسية ثبتت في العلاقات الإنسانية حتى بين الكتاب.
 
واعترافا مني – على الأقل- بأسبقية ونضوج الفكر الصحافي في الغربية لأسبقيتها عن المنطقة الشرقية، وخوفي أن يكون هذا حبسا لكتاب الغربية في منطقتهم لاكتفائِهم، فلا يطلعون على فكر عام وجديد ينبثق من الشاطئ الشرقي، ويحمله كثيرٌ من الشبابِ النابه المطلـِّع، ولكن لضيق المنصةِ التي يقفون عليها فإن انكشافهم لأوساط الفكر في الغربية والوسطى أقل حظا.. لذا كانت الدعوة تحت أمنية : "جسر بين الساحلين".. على أن الموضوعَ أخذ منحى اتساعيا مفاجئا، بحضور شخصيةٍ باتساع الدكتور عبد الله الدحلان.. الذي اقترح تآلفا وتعارفاً لكل كتابِ البلاد.
 
وباليد الأخرى، أسأل نفسي دوما هذا السؤال: هل على الكاتب أن يكون مصلحاً اجتماعيا؟ ورأيت هذا يأتي مع الصفقةِ كما يقولون، فالكاتبُ لما يطرح آراءً فهي من واقع تعديل الحال، أو تعجيل الحق، أو إحقاق العدل، أو تصحيح ما اعوج.. وبما أن الإصلاحَ الاجتماعي ليس فقط فلسفة أو تخصصا في علم الاجتماع، فما يدعو إليه الكتـّابُ هو من صميم الإصلاح الاجتماعي الذي يسعى لتحقيق المُثـُل والقيم التي ينشدها المجتمع، ويتحسسونها هم أرهف مما يتحسسها الآخرون.. وعندنا الأمثلة هنا وفي الخارج لكتـّابٍ يتفانون في سبيل الإصلاح والتعديل الذي يتطلبه مجتمعهم من أجل الارتقاء.. ويستشعرون بمسؤولياتهم بشكلٍ مضاعف. لذا، فإن المنتدى المقترح للكتاب لن يكون من أجل تشكيل قوةٍ لصالحِهم أو للمناداة بحقوقهم وما شابه ذلك، بل هو لتمرير الآراء والأفكار التبادلية لتحسين الأوضاع الاجتماعية بشكل عام ضمن إطار الاحترام العميق للقيم الدينية والأخلاقية والأمنية. وهي إجابة لبعض الكتاب الذين لم يحضروا وسألوني في هذا الشأن بالخصوص.
 
وهو تكريسٌ للفكر الحرِّ الحكيم الذي رأيته متجلياً لدى أساتذتي بتلك الليلةِ المسفرة، فلا يكـْمـُلُ معنى الوجود الإنساني إلا في الحرية، وحرية الفكرِ هي أسمى ألوان الحريات. ونعني الحرية الصحيحة والعادلة والمتعدية فوق الرغبات الفردية من أجل المناخ الإصلاحي العام. وليوفر للقادمين الجدد من الكـُتاب الاختلاط بالمنارات العريقة من الكتاب والمفكرين أصحاب الرأي العميق والتأثير والعمل المثبت من أجل الوطن وأهله، وليعرفوا المعنى الحقيقي للحرية، فمن بدء الصحافة اتخذت تجمعاتُ الكتابِ في الغربِ "بروميثيوس" رمزا لهم، وهم سارقُ قبسِ النار على الرغم من أرباب الأولمب في أسطورة الإغريق، معبِّراً عن التمرد على إسار التعسف والتقليد، وكأن كل كاتبٍ هو حامل القبس، ومشعل المنارات الهادية.. أو أن هذا ما يجب أن يكونه. إن ما نـُقِل عن اتهاماتٍ لتلطيخ سمعة كُتاب في الصحافة، هو برأيي، لافتقار التعارف الشخصي فتـُبنى النـِيـّاتُ - حتى لو صلحت - بمنأى عن التفاهم والتفهم اللذيْن يعززهما التعارفُ الشخصي، فالطريق إلى الحرب قد يكون معبدا بالنيّات الحسنة.. النيّات التي لم تلتقِ ولم تتفاهم. وهنا دورٌ لنادي الكتاب لو كـُتِب له البزوغ.
 
وتسلمتُ رسائلَ من كتابٍ يعاتبون، يعتقدون أنه بُتَّ بأمرٍ دون حضورِهم أو علمِهم، ومن كـُتـّابٍ يعتقدون أنه التفافٌ من مجلس إدارة الغرفة التجارية بجدة لسحب البساط من كون الفكرةِ لا تخص إلا الكتاب.. فنخبرهم أن أحداً لم يقل إنه قرارٌ بُتَّ فيه، إنما اقتراحٌ تم تداوله بين أصدقاءٍ في جلسةٍ غير رسمية، وسيحتاج إلى إجراء أكثر نحو التحقيق.. فلا فرصة ضاعت، ولن تضيع بإذن الله. والذي اقترح "قاعة الدكتور عبد الله الدحلان" مقرّاً هم كتابٌ معروفون، وليس بمبادرةٍ أو تدخل من الغرفة التجارية، بل كانت الفكرة تحتاج إلى موافقة من مجلس الغرفة، وهذا ما رحب به السيد صالح التركي أثناء الجلسة مبدئيا، وكان مجرد رأيٍ ورغبة شخصيتين لن تكتملا من دون الموافقات الرسمية ضمن نصوص نظام الغرفة.
 
الهدفُ بتركيزه الأوضح البحثُ عن الأصلح، ليس للكُتـَّاب، بل للمجتمع، بتفعيل فرص حرية الكُتـّاب لتأدية أدوارٍ أعرض وأوسع من أجل مجتمعهم.. والبحثُ عن الأصلح.. هو أول مهام الحرية.