طلباتٌ من مواطنٍ سعودي

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية


اعتبروا أن رسالة وصلتني من مواطن سعودي يشرح الحال، ويريد مطالبه الصغيرة التي يجب أن تكون في الحال، وسيسجد للهِ شاكرا، ثم سيقبـِّل جبهة كلِّ مسؤول.. ويقول: .. أسمعُ دوما " الخيرُ سيعود على المواطن" وأراه معنى مطاطيّا، و أكثر المعاني تمددا، والملاحظُ: أكثر استخداماً، والملاحظ أيضا: أقلّ تعريفا، وأقلّ تحديدا.. وأقلّ قياسا.

وأفضـِّلُ أن أُعطى خيراً قليلا في يدي، لا وعوداً كبرى على الشجرة! أرى الجمعَ من المسؤولين بكلّ مقام، وعلى كلّ جهةٍ مسؤولة لتقديم خدمات وتوفير حاجات للمواطن، يؤكدون على الدوام أن كل شيء سيصبّ في خير المواطن، وهذا، يعلم اللهُ، يبهجني، فأرْفـُلُ في بحرٍ من التفاؤل، وبابتهاجي وتفاؤلي أحسبُ أن الخيرَ سيصب في حـِجرِي الآن، فأفتح هذا الحِجرَ لتلقي هذا الخير مباشرة وليس عبر طرقٍ لا أكتنهها ولا أعرف مساراتها، ولا حتى أعرف قراءة خريطتها.. إن كان لها خريطة.

ثم أُبـْقِي الحـِجرَ مفتوحاً! يعلم الله، أنا من أسعد الناس بميزانياتِ الخير.ومن أسعدهم وأنا أرى المسؤولَ يطلّ من الشاشةِ مبتسما ( لا أضمن لك ذلك الابتسامَ دائما!) أو يشرق على صفحاتِ الجرائد ليصرح ويؤكد في تكرارٍ، أن هدفَ قطاعِه، وإدارته أو جهازه يصب في خير المواطن، وأنا، يعلم الله، لا أشك في ذلك.

إني من أسعد الناس وأنا أرى الخطط بالمليارات وكلها تصب في خير المواطن. وأترنـّحُ طربا وأنا أسمع وأرى وأقرأ عن المشاريع "الفوق- عملاقة" تـُدشـَّن تتالى بمبالغ وأرقام تـُطيِّر العقلَ، ثم يتم التأكيد أنها لخير المواطن.

كله يصب في خير المواطن، ولكنهم ينسون شيئا؟ ينسون أني ما زالتُ فاتحا حِجـْري منتظرا أن يسقط عليه الخيرُ.. الآنَ.. الآنَ، وليس غدا! المواطنُ يريد أن يصبَّ الخيرُ عليه وحوله الآن قبل الغد. فأنا رغم فرحي الشديد، يعلم الله، بكل هذا الخير المتدفق، أتمنى أن يخرج كل مواطن من بيتِه ذات صباحٍ ومعه ابنه الصغير أو ابنته ويجد لهما المدرسة المناسبة في حيِّه، وبلا تعَطـّلٍ أو تقبيلٍ للأنوف، وأن تكون المدرسة عادية، وليست لزْماً مبنية بمواصفات مدرسة بالسويد، يريدها مضاءة، جيدة التهوية، بمعامل صغيرة، ومرافق مناسبة ونظيفة، وجهاز تعليمي جيد الإعداد. ويريد المواطن عندما يتخرج الأبناءُ أن يجدوا الجامعات تستقبلهم، وبلا فواصل الرعب السنوية التي تشيب الولدان، أو يجدوا معاهدَ مُعَدَّة لهم كي يدخلوا السوقَ بتدريبٍ وتأهيلٍ مناسبَيـْن.

يريد المواطنُ أن تكون فرصُ العمل متاحة الآن، ليس بالتضييق في القوانين، ولكن بالحث على المشاريع الفورية، وتشجيع الروح العملية والعصامية لدى الشباب، وتشجيع وتمويل المشاريع الصغرى.

يريد المواطن أن تعود ابنته أو زوجته أو أخته المعلمة سالمة وهانئة، لا أن تخرج في الليل المدلهمِّ إلى مقرّ عملها خارج مدينته بأميالٍ وأميال، فيقِفُ على كل خليةٍ من أعصابـِهِ حتى تعود. يريد المواطنُ أن يخرج للعلاج، ويجد المستشفى مهيأ لعلاجِه وصرفِ دوائِه، ولا يريده لزماً أن يكون بمستوى مستشفى "مايو كلينك" الأمريكي، ولكن أن يجد الموعدَ آنيا للعلاج، وليس ورقة صفراء تطلب منه أن يؤجِّل مرضَه لأسابيع أو شهور، وأنا لا أستظرفُ حين أزعم أن المريضَ السعودي مسكين، فهو ليس مزوَّدا بمهاراتٍ إقناعيةٍ ليـُقـْنِع مرضَهُ أن يخرج من جسدِه ثم يعاود الزيارة بعد أسابيعٍ أو شهور إلى أن يحلَّ الموعدُ المضروب له من المستشفى، ولا مرَضه له ذوقٌ متفهِّم فيقبل الخروج إلى حين.. فلا بد إذن من رؤيةِ الطبيب الآن، وصرف العلاج الآن، وأظن أن المواطنَ المريض السعودي يحق له أن ينال تشخيصا صحيحا لحالتِه، وليس تشخيصا يمليه المزاجُ، أو سوءُ المزاج.

ولو كنت مسؤولا في التعليم الطبي وهذا مستبعدٌ طبعا- لوضعتُ مادة إجبارية للتشخيص من السنة الأولى حتى يُؤهـَّل الطبيبُ ليشرب الطِبَّ عِلما وفنـّا وإحساساً.. وضميرا! والمواطنُ متقاعدا يريد حقـَّه كاملا الذي صرف عمرَه العامل يعمل من أجله، وأن يكون معه قدر مناسب من الكرامة – لا، ليس كثيرا مثل مواطن سويسري لزْماً، ولكن القليل الآن يكفي- ويريد أن يستعد للرحلةِ الأخيرة وهو مطمئنٌ على أهلِه.

يريد المواطن مسكنا أو حلا لمسكن الآن وليس غدا، ويريد المواطن الفقير أن يخرج من فقره الآن وليس غدا، وهذا ليس حلا سحريا ، لو أُطلِقَ للعمل الخيري المؤسساتي الأهلي الجيد كامل المرونة ليكون رافدا ومساعدا للأجهزة الرسمية في حل مسألة الفقر لكان خدمة عظمى لرفع الفقراء من مستنقعات الحاجةِ والمعاناة.. وأريد، من أجل الله، أن يرشدني أحدٌ بما يصير بسوق المال، وداخل الشركات، ومعنى الحاكمية.. أريد أن أعرف هل أنا أُسرَق لأن النورَ معتـَّم علي فلا ألومُ نفسي، أم أني ضمن غباء قطيع فألوم نفسي.

أوه، تذكرت: قصدتُ الشفافية.. التي – عفوكم- لم تعد تذكرني إلا بشفاه التجميل الممطوطة بالسليكون. فمن أجل الله، إن لم يحصل المواطنُ على تلك الطلبات البسيطة، فهموني إذن معنى:" الخيرُ من أجلِ المواطن". ..لا غير!