فوّاز ماذا فعلت؟

سنة النشر : 01/05/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
يقول السيد ياسين المفكر الاقتصادي المصري، وهو من المحللين في سبر غرائب تاريخ وحقيقة منظمة التجارة العالمية: " فيضان العولمة العارم أغرق بلاد العالم جميعا..". يا ساتر! وهو يستدرك مشددا ليقنعنا بأن من انضم لها من الأعضاء- خصوصا القليلي الحيلة- ملتزمون بأحكامها.. ولكن ما طبيعة هذه الأحكام؟ السيد "ياسين" يقول لك بلا لجَجٍ:" هي الأحكام التي صاغتها الدولُ الرأسمالية الكبرى وألزمت بها الدولَ النامية".
 
وما يجري من خروقات على الساحة الدولية من قبل اللاعبين الكبار يؤيد ادعاءات السيد ياسين.. ولكن هل هذا هو الوجه الحقيقي؟ أم هناك وجهٌ جميلٌ آخر عند من يرى المنظمة ملاذا؟ .. كانت مهمة الدكتور فوّاز العلمي وحيدة وفريدة بتاريخنا القريب. والمهمة الموكولة إليه على الطريقة الهوليودية (المهمة المستحيلة) هي: "أدخلنا المنظمة التجارية الكونية".. وفعل بعد مشقةٍ وطريق منهكٍ معقدٍ طويل.
 
الدكتور فواز العلمي يدخل تاريخنا بصفته من قاد مفاوضاتـَنا للانضمام للنادي التجاري الكوني، وخاض معاركَ عقليةٍ ونفسيةٍ ومعرفيّةٍ، وكان يجب أن يتدرّع بمعرفةِ دقائقَ أنظمةِ ونظريات الاقتصاد، والقوانين، والاتفاقيات، وأن يكون فوق ذلك استشرافياً فوقياً ليمكنه قراءة استراتيجية قيادة هذا الزخم للوصول إلى الهدف. وبالفعل، أرسى سفينتـَنا باقتدار القباطنة المتمرِّسين إلى ميناءِ منظمة التجارة. عملٌ عظيم وعبقري؟ صح. هل نتائجه ستكون علينا كالمـَنِّ والسلوى، أم سنكون كمن يجري فوق جمراتِ النار؟ لا ندري.
 
وإن كان للتشاؤم الجمري الناري نصيبٌ احتماليّ لا يُنكر. الدكتور فواز العلمي المستقبلي، الاقتصاديُ، والقانونيُ، والرسمي، والمفاوضُ العالمي، والكاتبُ، والمؤلفُ، لابد أنه من الذين يشكرون الله كثيرا، فهو رجلٌ أعطاهُ خالقـُه الكثيرَ من مدَدِ السماء.. ولكن نعلم من خبراتِنا الإنسانية أن مدَد السماءِ قد لا يفهمه ولا يثمّنه من هم على الأرض، فكنا قد طالبنا أكثر من مرة ألا يتوقف دورُ الدكتور هنا، بل أن تؤَسَّس وكالةٌ وطنية اقتصادية لتجارتنا الدولية يقودها العلمي، ولا ندري هل ستـُترك ثروة خبراتٍ بلا انتفاع، وهذا ليس مستغربا، أم أن طرحي خاطئ في واقعه؟ "فواز العلمي" هو من سنفتتح به فعاليات "منتدى آل الزامل" في الراكة في مدينة الخبر مساء الغد الأحد بعد صلاة المغرب، ونتوقع حضوراً مهما للمهتمين بما يجري عاصفا الآن في العالم بأسواق المال.. وعلاقة المنظمة التجارية الكونية بكلّ ما يدور.
 
وهي فرصةٌ سانحةٌ جداً أن نسمع من الرجل الذي سلخَ سنواتٍ شاقةٍ ومضنيةٍ وخاليةٍ من النوم والراحةِ كي ننضوي تحت البيرَق الكوني، فهل حسنا فعل الدكتور فواز العلمي؟ أم أن وطنـَه أعطاهُ مهمةً وكان يجب أن ينفذها كجنديٍ يتلقى الأوامرَ في المعركة، فمهمتـُه أن يوظـِّفَ قدراتـَه وآلياتـَه وفكرَهُ وشجاعتـَهُ لتنفيذ المهمة.. وبالتالي لا يجب، منطِقاً، أن يُسأَل عن نتائج ما قام به؟ ولكن العلمي صار شخصية عالمية وبالتالي من الضريبة التي سيدفعها أن الناسَ سيسألون، وسيستفسرون، وسيحمدون، وسينتقدون.. وإن لم تقبل أي شخصيةٍ عامةٍ هذا الواقع.. فلِمَ كانت في الأصل؟! فواز العلمي ليس شخصا عاديا أبدا، إنه فكرٌ متقدٌ، إنه مثقفٌ عالمي، إنه يعرف بالضبط ما جرى على المنصةِ العالمية، وما دار خلف الكواليس، وربما كان كريما معنا ليشرح لنا الكثيرَ من الغموض الذي لم نصل إلى فكّ طلاسِمِه حتى الآن، فنحن العاديون، خصوصاً في بلدانٍ مثل بلدنا، لا نرى إلا قمة الجبلِ الجليدي، وتحفظ المياهُ الباردة العميقة أسرارَ الكتلةِ الكبرى.. وأنّ ما نراه هو ما تفرضه طبيعة المشاهـَدة الحتمية ، وليس لأنه تكرّم أحدٌ فسمح لنا بذلك.
 
لو طالعتَ الانتقادات التي جاءت من وراء انضمامنا إلى المنظمة العالمية، ستجد هناك من يقول إن حبالا خفية كانت تسيّر حركة نقاشِنا، وقيل إن هذه الحبال تنتهي في واشنطن، وقيل عن تنازلاتٍ كبرى قدمناها سِفاحا على حسابِ أشياءٍ تفوق مجرد الإصلاح الاقتصادي البحت فمسّ طبيعة مجتمعنا وشريعتنا.. وقيل إن انضمامنا هو لكبح جماح حصانِنا لو عنَّ له يوما أن يكون شموساً حرِناً، خصوصا وأن تحت ساقـَيـْهِ أكبر بحيرة نفطٍ في الدنيا. وقيل إنه سُحِب منا الورقة الأولى هي قوتنا النفطية فدخلنا المنظمة مقاتلين عزلا.. وعندما تعزل المقاتلَ عن مصدر قوتِه ينتهي مهزوما مثل "أخيليوس" المنيع الذي عرف الأعداءُ أن كعبَه لم يكن منيعا فأُرسل إليه السهمُ المسموم، أو شمشون الجبار الذي فقد قوته بفقدانه شعره.
 
فهل هذا صحيح يا دكتور فواز؟ قرأتُ كتابا لعالم اقتصاد ومفكر أمريكي - استشهد به السيد ياسين- لابد أن الدكتور العلمي يعرفه جيدا وهو "داني رودريك" الأستاذ في هارفارد أشهر جامعاتِ الدنيا، والكتابُ صغير لافت جدا بأفكاره، ومثير للتساؤلات والتخوّفات معا، بعنوان:" هل مضتْ العولمة أكثر مما يجب في تنفيذ أهدافـِها".. أسمعه يقول: "مشروع العولمة بطموحاته الكونية فيه مغالاة قوية نتيجتها استغلال القوى الرأسمالية الكبرى التي تمتلك الخبرة والقوة والأدوات في التراكم الرأسمالي على حساب الدول النامية..". يقولون إن العالمَ صار قسمين: واحدٌ عاصمته دافوس، المدينة الغافية التي صارت وكأنها عاصمة روحية للاقتصاد الكوني.. وواحد آخر يناضل ضد "دافوس".. هو بقية العالم. للدكتور فواز حضورٌ لطيف، وتأثيرٌ كرزمائيٌ، ورحابة العارفين، وهذا سيجعل الموضوعَ الحادَّ.. أقلّ حِدّة.. فإلى أي حد سيكشف العلمي عن جبلِ أسرارٍه؟ سنرى.