حدَثٌ غيرُ مسبوقٍ
سنة النشر : 01/05/2009
الصحيفة : الاقتصادية
مسـّاكَ الله بالخير يا بروفيسور أحمد حسن.. وأحمد حسن هو العالمُ الأمريكي، من أصلٍ مصري، في جامعة نيومكسيكو الأمريكية. فمن زيارته لنا، إلى أن غادر، في أول العام، وهو يكرر أن السوقَ الخليجي هو السوقُ المؤهلُ والواعدُ للتقنياتِ الذرية السلمية، وبالذات في المجال الصحي، ومجال رصد الإشعاعات، والطرق الصحيحة في تشغيل الأجهزةِ الذرية، واستخدامات الذرّة السلمية، ولقد تُوِّجتْ محاولاتـُه مع جامعة الملك سعود إذ كانت لديهم بوادر واضحة في برنامجٍ بهذا الاتجاه.. وأنا اليوم سعيدٌ جداً، بالفعل، بانعقاد " الندوة العالمية للاستخداماتِ السلمية للتقنية النووية بدول مجلس التعاون الخليجي" في جدة ابتداء من اليوم.
ولا بد أن جامعة الملك عبد العزيز متحمسة فوق العادة، في كونِها افتتحتْ باباً تاريخياً علمياً وفاصلاً في هذا المجال الذي طالما حلمنا به من زمن.. وكم تمنيتُ أن يكون الدكتور أحمد حسن حاضرا اليوم بمعية زميله ومواطنه المصري والعالمي الدكتور البرادعي وفريق من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولفيف من العلماء العالميين والباحثين في مجال الطاقة النووية.. إنه محفلٌ ذريٌ لم نتعود عليه من قبل، إنه الطوبة الأولى في بناءٍ سيأخذ وقتاً وجهداً ومالاً كي يُشرَع في بنائِه، وجامعة الملك عبد العزيز، وإن وضعت حتى حصاة صغيرة في هذا الصرح النووي السلمي المدني، إلا أنه يكفيها إنجازاً ومبادرةً أنها الحصاة الأولى.. والندوة لا تدّعي وضعَ برامجَ استراتيجية، ولا قراراتٍ سيادية، ولا منهاج يدلّ على خططٍ موجودة، إنهم مجرد علماءٍ طامحين لمجتمع أفضل، لمدَنِيةٍ أفضل، لعالمٍ أفضل، لاستخداماتٍ أفضل لأهمّ ما وصل إليه الإنسانُ على الإطلاق: اكتشافُ جبروت أصغر الأشياء، الذرّة.
إنه حدثٌ غير مسبوق في الخليج، وهذه الجملة التقريرية ليست من عندي، إنما من تصريحٍ للدكتور أسامة الطيب مدير جامعة الملك عبد العزيز، وهو كرجل عالم، ومن متعهدي نقل التكنولوجيا ضمن مهماته العلمية كمدير لجامعةٍ سعوديةٍ عريقة، لا بد أنه يعيش أوقاتاً مثيرة، قد تكون مُتعِبة ومُجـْهِـِدَة، فكل الفريق العلمي برئاسة الدكتور محمد بن ضبيان الجهني يقفون على أعصابهم.. فالأمرُ، قد تصفه بأوصافٍ كبيرةٍ أو صغيرة.. لا يهم.
المهم أنه الأول من نوعه لأعظم وأخطر تقنية اخترعها البشر.. إنه نادٍ عالمي محتكـَرٌ جدا، وآن الأوان أن نبدأ ولو بطرق الأبواب، فلدينا عقولٌ وأموالٌ جاهزة لبدء برنامج نووي طموح وراق.. وهذه الندوة، للمراقِبِ، ستكشف عما لدى السعوديين من خبرات، ومن عمليات تبادل معلوماتٍ وخبراتٍ مع جامعات ومعاهد ووكالات في مجال الذرة.
أعتقد أن هذه الندوة أقيمت بتواضعٍ كبير، من نظرة الواقع التاريخي على الأقل، ولكن لا يعني أن الاهتمامَ ليس عميقا جدا، وما أدلّ على هذا التوجه الخاص من كونِ أنها تقام تحت رعايةِ رجل البلاد الأول الملك عبد الله.
ولا أعتقد أن الندوة تعطي أي معنى خفي، ولا ترسل أي رسالة مضمـَّنة غير طرحها العالمي المحض، فهي لا تحمل على الإطلاق أي توجهٍ لقرارٍ سياسي، ولا خطة لمستقبل، ولا إشارة لأي طرفٍ كان غير الأطراف العلمية.
يقول معِدّو الندوة بوضوح سافر: "إننا أقمنا الندوة لنثبت للدوائر العلمية المختصة أننا هنا موجودون ومهتمون على الساحة، وأن للمهتمين والعاملين في ميادين الذرّة سوقا خصبة علمية وتجارية في الأسواق الخليجية.. هذه هي الرسالة والإشارة والمغزى ليس إلا.
وهذا الآن ما نبغيه تماما. لا يمكن أن يفكر صاحب رؤية متزنة، ناهيك عن صاحب قرار، أن يفكر في التوظيف الآخر – أي غير السلمي - للطاقة الذرية، فلا هي سلاحٌ حقيقي، لأنها لا يمكن أن تـُستـَخدم في حروبٍ تقليدية، لأن الفائزَ بحربٍ نوويةٍ هو الخاسرُ الحقيقي.. من يموت أسعدُ حظا.
هي ما زالت لعبة سياسية من الحرب الباردة تقوم على توازن الرعب، وهذه لعبة لن تدخلها المملكة ولا تحب أن تزج بالأمة في وسط تعقيداتها. وهذا معلن، ولا يمكن أن نخفيه.. حتى لو أردنا، في عالم مفتوح. تمنيتُ أن يكون صاحبي العالم المصري الذي حلمه نقل التقنية السلمية الذرية للعرب والمسلمين حاضرا.. ولكني أرى روحه حاضرة. وأرى روحي وأرواحكم.. فهذه ندوة أردناها من زمنٍ وتحققت، ودورُ جامعة الملك عبد العزيز لا ينسى، وينقلنا بقوةٍ من واقع التعليم الجامعي الذي طالما تعرض للانتقاد.. الندوة جرسٌ يعلن أننا ندخلُ العالمَ النووي.. من أجمل أبوابـِه.