مهند.. ومنفـذٌ نحو الشمس
سنة النشر : 16/03/2009
الصحيفة : الاقتصادية
تقام مساء اليوم استعداداتُ افتتاح مؤتمر Access Abu Dhabi الذي تنظمه مؤسسة زايد العليا للرعايةِ الإنسانية وذوي الاحتياجات الخاصة، وشؤون القـُصَّر، قسمُ قطاعُ ذوي الاحتياجات الخاصة. وهو مؤتمرٌ سيكون له صدىً محليٌ وعربيٌ ودولي... وكنتُ أنتظر فرصة مجيء هذا المؤتمر كمن ينتظر عزيزاً غالياً طال انتظاره. فمنذ شهور ومنظموه ينسقون معنا حول ماهيته وبرامجه، ومَن سيكونون على منصة المؤتمر ليخاطبوا العالمَ بهموم هذه الفئة التي هي باعتقادي ويقيني أن اللهَ أراد لها أن تكون طاقة مُضافة للمجتمع وليس عالة عليه.. وجاءت هذه المناسبة الكبرى برعايةٍ كريمةٍ من الحكومة الإماراتية لتحقق أحلاماً، طالما حلم بها أصحابُ الاحتياجات والمهتمون، بإقامة مجتمعاتٍ عادلةٍ ومُنصفةٍ لجميع عناصرها.. وسأقترح ـ بإذن الله ـ على أصدقائنا هناك، بما أن اسم المؤتمر بالإنجليزية هو (أكسس) أي "منفذ"، بأن يكون شعارُه في المؤتمرات القادمة.. "منفذ نحو الشمس".. فمن يتجه صوبَ الشمس فأول ما يتركه خلفه أشباحَ الظلام. إن الفئة التي بها مصابٌ جسدي، هي واحدة من فئات الأمة، وكل واحدةٍ وواحدِ منهم هو عنصرٌ من ملايين العناصر التي تكوِّن سكانـَها لا فرق.. فليسوا هم فئة تـُحبَس أو تـُعَطـَّل أو تستشفي في أماكن محددة، بل هم ناسٌ يجب أن يجْرُوا في الساحةِ العامة للوطن، ويسيروا على طرقاتِه، ويصنعوا تياراتـَه ومساراتـَه. يقول لي أحدُهم: "نحن نبحث عن حقوقِنا".
وهذا صحيح، فهم يعلـِّموننا جميعاً أنه واجبٌ لزم علينا أن نبحث عن حقوقنا، ومن يرضى أن تؤكل حقوقُه فهو يَهْدُر كرامتـَه، ويرخِّصُ إنسانيتـَه.. إلا أن صديقي لم يكتفِ بما قال، فأردفَ واثقاً: "ومن أهم حقوقي أن تـُترك لي الساحةُ كاملة، والفرصة سانحة، والمنافذ مفتوحة، كي أؤدي واجبي، مثل الباقين، كاملاً تجاه وطني". .. يا سلام! إنّ كلَّ من يرثي لحالِه هو المعوقُ حقـّاً، سواء كان مُكتـَمِل الأعضاء الجسدية، أو ناقصها، وهذا النوعُ من الناس لا يرون الشمسَ، ولا يريدون أن ينظروا إليها، فيغطسون غطسة رأسية في بحرِ الظـُلمات.. فالاكتمالُ يعني توهج الروح، وعزيمة الإرادةِ، وقدرة العملِ، وجذوة الأمل، وهديرُ الطموح في الأضلاع، وشعلةُ التفكير في العقول.. وهذا ما يتفق عليه المجتمعون بالمؤتمر الليلة وطوال الأيام الثلاثة القادمة، لأنهم يريدون ويطالبون بمكانهم الصحيح والحقيقي والصريح تحت شمس أوطانهم، ويعافون الظلامَ حتى لو خفَّ وهنأ وصار كالظلالِ الوارفة.. يبغون أن تكون أياديهم مع أيادي الجميع.
فئةٌ صافيةٌ فيها من الثقةِ والبطولةِ والإيمان.. فئةٌ تنفضُ الظلامَ وتدور مع الشمس. والمحبون من منظمي المؤتمر والمهتمون في أبو ظبي قرأوا ما كتـَبتُه يوماً عن "عائشة الحشاش" النابغة والمعجزة الكويتية المصابة من الولادة بالشلل الرباعي، والتي ـ للأسف البالغ ـ لن يكون في مقدورها حضور المؤتمر، لتكون نجمته الدُّرية، لظروفٍ مستجدّةٍ. وقرأوا ما كُتِب عن المخترع الشاب "مهند بودية" الذي فقد بحادثٍ أهم عضوين في جسده الساقَ والنظر، فزاد عطاؤه عن ذي قبل أضعافا، وعن المرحوم العظيم المشلول الأخرس العبقري الصغير الحبيب "ناجي".. وبقي مهند جبريل أبودية علامة فارقة منيرة ليمثل كل أصحاب الإرادة والعزيمة والإيمان في "إكسس أبو ظبي" مكرِّساً منفذهم إلى الشمس.. وسبق أن استعرض المنظمون الأسماءَ المرشحة في نقاش معهم، حول من له التأهيل الملائم ليكون نجم الافتتاح للمؤتمر العربي الدولي، فاقترحتُ بلا زفرةِ تفكير اسم "مهند بودية".. ووعودني بالرجوع إلي. ويبدو أنهم راجعوا أكبر سلطةٍ في المؤتمر، لأنهم عادوا مهلـِّلِين: "فعلاً، لم نجد أفضل من مهند".
إذن.. الشابُ السعودي مهند سيعتلي منصةَ المؤتمر بطلاً ونحن به من الفخورين.. المؤتمرُ، بارك اللُه فيمن نظـَّمَه وأنفق عليه، فتح منفذاً نحو الشمس.. ومهندٌ شابٌّ ترك الظلامَ، وأبصرَ رغم غيابِ عينيه، منفذ الشمس.