"ومن أحياها.."
سنة النشر : 14/03/2009
الصحيفة : الاقتصادية
" ومن أحياها فكمن أحيا الناسَ أجمعين".
هذه الأمةُ معقودة آمالُها على الشباب، وكلما أخذ الشبابُ على عواتقهم شيئاً فسيؤدونه بعطاءٍ جميل، عناصرُه الطاقة الوافرة، والحماسة المتدفقة، والفكر الجديد، والتطلع للجمال، والسعي للطموح، والحلم بحاضرٍ ومستقبلٍ أحلى.. الشبابُ هم الينبوع الصافي الذي لم يطله كدرُ الحياةِ، وتلون النفوس، وطين الظنون، وتحسس الخبرة، وشك التجربة.. إنهم كورودِ الشمس، لا يرون إلا النور، ولا يمكنهم أن يروا الظلَّ وراءهم.. فمن يصوِّبُ نظرَه نحو الشمس لن يرى الظلام.. كل مرة أعمل فيها مع الشباب، وعملت معهم حتى الآن في أكثر من عشرين تجربة، يكون الابداعُ أخـَّاذاً، والعطاءُ متواصلاً، والإخلاصُ متوافرا، والأفكارُ لا تدفعها إلا الأفكار، فتكبر المشاريعُ وتزدهر.. ولعلي لا أطلق سهماُ طائشاً وأنا أزعم أن إنتاج الشباب في أي عمل تطوعي رأيتهم يقومون بهِ بإخلاص وفتوةٍ وتكريس، يفوق بعض ما تقوم به المصالحُ المنـَظَّمة الجيدة التمويل.. لسببٍ واحد، فهم لا يعرفون ما معنى البيروقراطية، ولا معنى أن يكون النظامُ عصا في العجلة، لا طاقة تدفع العجلة.. والآن يقدمُ مائتا طالب وطالبة - ما شاء الله هل لاحظت الرقم؟- من طالبات وطلبة الطبِّ في جامعة الملك سعود بالرياض حملة توعوية كبرى من أجل التبرع بالأعضاء وسيكون المشروع في القادم القريب من الأيام مشروعا عبر كل كليّات الطب في البلاد، وقد يكون المشروعُ الشامل الجامعي التطوعي الأول من نوعِهِ في تاريخ جامعات المملكة. هل رأيتم في الأمس الفتاةَ الصغيرة الصبوحة الوجهِ التي أنارت جرائدَ الأمس، بجانب الأمير عبد العزيز بن سلمان.
وهي ترسل ضحكاتٍ تداعبُ القلبَ الغافي، هي مصابة بالفشل الكلوي النهائي.. ومن يعرف معنى أن تفشل الكلية سيعرف معاناة أن تـُغرَز في الأوردةِ الإبرَ الثقيلة، أو في الصدغِ تطعنُ محِّولات الدم المؤلمة القابلة للالتهابِ، أو في مصفق الحوض، ليؤخـَذ الدمُ المملوء بالسموم إلى آلةِ الغسيل ليُصَفـَّى، ويرجع سائغاً للجسدِ العليلِ من جديد، حياةٌ تنقصها أهم عناصر الحياة: الحرية فالمريض مستعبدٌ لهذه الآلة موصولٌ بأسلاكها ثلاث مراتٍ بالأسبوع، لا يستطيع البعد عنها بالسفر والترحال، لأنها صلته بالحياة.. هذه الصورة المأساوية الحالكة هي في حالة الفشل الكلوي، ويعتبر المريضُ بفشل الكلى محظوظاً بالقياس إلى من يقرر قلبُه الإخفاقَ الأخير، أو مصنعه الحيوي الأول الكبد أن يعلن توقف وظائفه، أو الرئتان، فهنا لا بديلَ غير الموت.. إلا أن يتوافر عضوٌ في الحال ليسْتـَزرع في جسد المريض..
منذ متى ونحن نسمع عن حملات منظمة للتوعية بالتبرع بالكلى؟ من أكثر من عقدين.. وحتى الآن تعاني منظومتنا الصحية نقصا واضحا في التبرع بالأعضاء، ونحن للأسف المؤلم الشديد، يبلغ ضحايا الموت الدماغي لدينا، وأوله حوادث السيارات معدلا عالميا كبيراً.. على أن طلاب الطب في جامعة الملك سعود لم يكتفوا بالدراسة، وبعض كلياتنا للأسف الشديد (أيضا) تموت فيها مع الزمن اليقظة الروحية الإنسانية في الدارسين إلى اليباس العلمي فلا يرون مع الزمن الإنسانَ المريض إلا مجرد.. "حالة".. لا أظن أن شيئا تغير في كليات الطب، في إدخال المناهج الإنسانية، ولكن هؤلاء الطلبة والطالبات كما قلنا هم ورودٌ إنسانية تعيش في أجواءٍ إنسانيةٍ روحانيةٍ يانعةٍ ورحبةٍ.. وتحركت بهم المحبة الكبرى، والطبع الجميل، وقرروا أن يتطوعوا في حملة تعمّ البلاد، لنشر ثقافة التطوع، ومعناه، وأهدافه، ونتائجه.. وأكيد بإذن الله أنهم سيعطون مساراتٍ جديدة نحو آفاق جديدة لحملات التطوع للتبرع بالأعضاء، وسيضعون الأمة جمعاء أمام واجبها الأول: أن تتكافل لتحيي النفوسَ التي أمر اللهُ بإحيائها.
لقد كان للأستاذ البارع "مفيد النويصر" دورٌ رئيس ليعرّفنا على هذه الفئة، وهو مؤشرهم، وموجِّه الحملة الإعلامية حبا في الغرض والهدف، مما جعلنا نبادر إلى اللحاق به ونجري في سكةٍ رسمها قبلنا نحو الانضمام لهذه المجموعة ودعمها، وسيكون اجتماعهم الأول في منتدانا (أمطار), الذي أقيم من أجل أن يكون منصة للنابهين، وللأعمال النابهة، مساء غدٍ الأحد، ليشرح هؤلاءُ الشباب حملتهم ويروجوا لها.. والدعوة موصولة ومفتوحة لأصحاب النفوس الكريمة من القادرين من الأصدقاء في الأعمال والمناصب، والزملاء في مجلس الشورى، وبالذات زملائي في اللجنة الاجتماعية والشباب بمجلس الشورى للحضور، وتأييد نوايا القائمين على هذه الحملة الرائعة الوسيلة والهدف، وأن يكونوا من صناعها، ومن واضعي الوقود في محركاتها.. حتى يمكننا أن نتكلم للشباب وجها لوجه، ونقول لهم نعم نحن نؤيد أعمالكم الراقية قولا وفعلا.. ولسنا متدافعين نحو الشكل والشكليات. وعندما نخذلهم.. فإنما نخذل أنفسنا.