مقتطفات الجمعة 304

سنة النشر : 10/10/2013 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلاً بكم في "مقتطفات الجمعة" رقم 304 .
 
حافز الجمعة: هذه الكيسة الصغيرة التي بها أوراق الشاي، لا تعني شيئا، لأنها لم تستخدم، لم تُمتحن، لم تُعرَف. ضعها في كأس ماءٍ حار وستجد انتثار اللون الأصهب الجميل، والمذاق الأجمل .. وهنا نجح ذاك الكيسُ في أداء ما كان يجب عليه عمله .. نحن لا نحقق ما وُجِدنا لعمله كما يجب، إلا إن صهرتنا الصعاب والتحديات.
 
قصة الجمعة: في إحدى مدن المملكة في لقاءٍ واسع مع شباب، تكلمتُ عن أن من يشكو من الصعاب والعراقيل ستقيده وتحبسه في شباكها، وأن الصعابَ والعراقيل التي نراها حقًا أو وهمًا والتشكي منها، هي تماما ما تريد أن تحققه طبيعة المشكلات والصعاب لتنمو وتكبر. إنه الكمين الذي تضعه الصعاب في الطريق فيقع فيه من يقع ويبقى يشكي الوقوع ولا يحاول الخروج. الذين مزقوا الشباك وخرجوا هم الذين نجحوا، لأن اللهَ أعطانا سلاحا قويا وفعالا لا مثيل له لقطع الشباك وردم الحفر والقفز فوق العراقيل .. وهو العقل. بعد اللقاء أقبل شابٌ عليه الوجاهة وتسيل من بشرته مياه الشباب والعافية وقال: "أستحلفك بالله أن تخرج معي مدة قصيرة نحتسي فيها بعض الشاي، وأسمعك قصتي متأثرا بما قلته في اللقاء المفتوح". ولم يكن الشاب بحاجة إلى أن يحلف. جلس يحدثني: "أنا ممن يطلق عليهم مجهولو النسب، وكانت هذه لعنتي في الحياة ــــ ثم استغفر عن الكلمة ــــ وارتحت أنا لأني لا أطيقها، أكبر نقطة ضعف في حياتي.. وفي مرّةٍ قرأت لك أن حوارا صار بين "برنارد شو" و"تشرشل" وأنهما يسخران من بعضهما دائما، وأن تشرشل قال لبرنارد شو: "أنا من أعرق عائلات بريطانيا، وأنت من أقل طبقات إيرلندا"، فرد عليه برناردشو: "صحيح وسينتهي مجدُ عائلتك بك، ويبدأ مجدُ سلالتي بي!". هزتني تلك الكلمات "يبدأ مجدُ سلالتي بي" كما لم تهزني كلماتٌ في كل حياتي .. فـ "تسرّبت" للعمل خارج البلاد لإيطاليا، ونمت في الشوارع والحدائق وتحت الجسور، ثم حصلت على مال من صيانة الحدائق العامة واستأجرت غرفة حقيرة تشرف على مصنع صقل رخام .. وعملتُ في المصنع وتطورت علاقتي بصاحب المصنع، وألحقني بمعهد الميكانيكا الطبيعية بنابولي، وتوفقت.
 
ثم مسكت تقريبا كل المصنع الصغير وتزوجت ابنته وأسلمت على يدي .. ثم بدأت أوزع الرخام في الشرق الأوسط، ولدي وكالات توزيع رخام إيطالي، وشريك مع زوجتي في مقلع رخام في جنوب سردينيا. عدت للبلاد، واستقررت.. وصار اسمي يدور في المجتمع، وفُتحت لي أكبر الأبواب. واليوم حضرت لأشكرك". حكايته هزت وجداني وسميته "قاهر الصعاب" كما كان طه حسين "قاهر الظلام". أكبرُ نقاط ضعفِهِ.. تحولت لأقوى طاقات طموحه. قلت له: "ألا أستحق نصيبا ماليا من نجاحك؟" ضحك، وبعذوبةٍ وضع يده على يدي، وقال: إيش رأيك في طن رخام؟!
 
وتقريرٌ من الأستاذ خالد علي في صحيفة "سبق"، يرصد فيها مشهدا بالنسبة لي مؤلما ويعطي صورة لا تتقبلها ذائقة الغرب، ولا حتى ذائقة أي عقل منطقي وإحساس متوازن. يستعرض الأستاذ خالد ظاهرة انتشار أفخم وأغلى سيارات العالم من الرولز رويس إلى اللمبرجيني التي تتعدى الواحدة منها المليون ريال بكثير، كما وصف بين مراهقين أثرياء يجوبون بها لندن، ويستعرضون بصفها في شوارع المدينة العالمية. هذه الظاهرة لا تعبر عن أي شيء إيجابي على الإطلاق فضلا عن الفخر.. إلا إن كان تفاخرا. وتعطي للناس انطباعا أن السعوديين فاحشو الثراء ويتباهون بثرائهم على العالم .. وبينما يكون المراهق البريطاني كل حلمه الحصول على آي ـ باد لدراسته وترفيهه، يدور مراهقون بسياراتٍ قد لا يجمعها المراهق البريطاني في كل حياته وحياة أبيه معه. منظرٌ مؤذٍ ويؤثر سلبا في بقية الشباب السعودي المكافح الذي يقطن البلاد ذاتها عاصرا بطنه على مكافأته ليدرس ويتخرج ويسلك طريق الطموح، حاله حال أي شاب في العالم، ويعرض شبابنا للخطر، الأثرياءُ منهم والفقراء، كما يحدث في اعتداءاتٍ لانتهاكهم وسرقتهم والاعتداء عليهم.. وكلها تحت حقد دفين أن الشاب السعودي مرفّه يتحول كل شيء يلمسه ذهبا كأسطورة الملك ميداس. كل سيارة فارهة يدور بها شابٌ صغير لم يعرف معنى تحديات الحياة، ولا ذوقيات العيش هي آلة تهدم صورتنا التي نريدها أن تكون الحقيقية لنا .. لا ألوم الصغار فهذا ما نشأوا عليه .. ولكن ألوم أنفسنا نحن وأصحاب القرار الذين يجب أن يضعوا لهذه الظاهرة الحلول.
 
والمهم: كلنا نملك القوة لنتفوق على تحديات الحياة مهما تعاظمت، بل إن تعاظمت تعاظم نجاحُنا.. بشرط أن نملك الإرادة لتفعيلها!