مقتطفات الجمعة 300
سنة النشر : 22/08/2013
الصحيفة : الاقتصادية
أهلاً بكم في "مقتطفات الجمعة" رقم 300 .
حافز الجمعة: تعيش لحظةً مؤلمة، حزينة، مُهيلة، وتقول كيف أستطيع أن أريح الألم، وأبعد الوجع، وأنتشل الحزن، وأنا ضعيف من قوم ضعفاء، سلبي من قوم سلبيين؟ فتجد أن الحل هو أن تغمض عينيك. ولكن تزداد فجيعتك، عندما تغمض عينيك كي لا ترى، فتنفجر المشاهد قوية الوضوح في نظرك، في قلبك، في عقلك، وفي ضميرك.
إنها هذه اللحظة بالذات، لحظة صف ورفع الأكفان الصغيرة البيضاء لأجساد غضة، حُرقت، تألمت، وماتت لا تعرف أي ذنبٍ جنتْ، فلا هي تعلم، ولا هي تدري ولا هي تعي .. ولكنها وعت على الألم الممض، وعلى احتراق الرئة الوردية الصافية البريئة وهي تتلون من غازات تغول بها حرقا .. لحظة لا تستطيع منها فرارا، لحظة تسكنك، تؤذيك، تعبث بحواسك وإدراكك، ويختلط عليكم ألم القهر والظلم وضعفك، ضعفك الشديد .. فتجد أنك أضعف أيضا من أن تكسر حلقة الروع والعذاب، وقرع الضمير المدوي في داخلك .. حتى البكاء تهطل دموعك مرة لا معنى لها ولا فائدة منها إلا تنظيف قناة الدمع .. هذه اللحظة هي لحظة تصنع حاضرك الآن، وتقدمه أمامك .. وجبة من علقمٍ مرٍّ عليك أن تبتلعه وتتجرعه، مع تحلية من التخاذل، وإخفاء الوجع بالهرب من مشاهد الوجع .. لا يريح إلا شيء واحد، ليس مني، ليس منّا، ليس منكم، إنما من الله؛ عندما تعلم أنه وعد سبحانه بأنهم في رحلةٍ جماعية في طريق مباشر للجنة.
سؤال يزعجني ويزنّ زنّة نحلةٍ كبيرة تدور لتلسع بؤرة الوجدان: هل أنا مسؤول؟ هل تقع علي محاسبة ومسؤولية؟ هل تقع علينا جميعا مسؤولية ونحن نرى أكبر إجرام في الأرض بقربنا من لحمنا ودمنا، وربما أكبر وحشية بكل تاريخ وحشية البشر على البشر؟ أوجدت لنفسي كثيرا من التبريرات، نحن لا حول لنا ولا قوة ولا قرار، نحن عُزّل لا نملك حتى أن ندافع عن أنفسنا، نحن جمْعٌ يُساق لشأنه اليومي ويجيء من يشجعه على ذلك .. نحن نتألم ونحزن ونبكي وندعو في صلواتنا أن يرفع عن إخواننا، ويعيد سورية الجميلة الآمنة كما كانت عاصمة العرب، ومركز الإبداع، وموئل العلماء الكبار في الإسلام؟ هل يعني هذا أننا عملنا ما علينا، ثم نمضي طاهري الذنب، خفيفي القلب، بريئين بلا ذنب؟ هذه تبريراتي ولكنها لم ترحني، لم تبعد الحزن والشعور الثقيل، الثقيل جدا بالذنب .. ساعدوني .. ساعدوا أنفسكم. أجيبوني سألتكم بالله.
رجاء، لا تقل لي إيران، لا تقل لي -رجوتك- حزب الله، لا تقل لي -هداني وهداك الله- روسيا .. هم وقفوا مع حليفهم بشار لم يخذلوه لحظة، أعطوه وعدا بلا مراجعة بلا عودة بلا تردد، بل كلما ضاقت على بشار جاء المددُ واسعاً من الحلفاء الثلاثة حتى بدون أن يطلب.
يقف الروسي أمام العالم ويقول تماما ما يقوله بشار هناك متآمرون على سورية، سورية تحارب من أجل العالم ضد الإرهاب، ويقف الإيراني ثابتا في كل حالاته محافظا أو معتدلا مع سورية لا نقاش، لا تراجع، بل حتى مشاركة فعلية بأبنائهم من أجل بشار من أجل وعد بذلوه ويعملون من أجله، ويقول حزب الله أمام العالم وبحماسة سنكون مع سورية كلنا حتى آخر قطرة دم فينا. هؤلاء حلفاء يُعتمَد عليهم. الصغارُ الذين حُرقوا أحياءً بأكثر آلام المعاناة، من لهم؟ من حليفهم؟ من صدق معهم؟ من وقف معهم؟ من ثبت معهم؟ بل خذلان وراء خذلان، وغدر وراء غدر، وتحول مفضوح في المواقف، وصاروا هم الأصدقاء، الذين يدعو السوريون الله أن ينقذهم منهم .. فهم وراء ظهرهم يطعنونهم، وصدورهم أمام الغاز والقتل والسحل وتدمير المدن والقرى فوق رؤوسهم. لا تقل لي إيران، لا تقل لي حزب الله، لا تقل لي روسيا .. هيا صيروا أفضل منهم في صدق مواقفكم .. لو أردتم لفعلتم.
يقول لي صديقي المتابع ويرمز لاسمه الأول بحرف الباء، ب البسام: "لن يموت الأطفالُ جميعا سيبقى منهم طفلٌ ليبصق على كل من وعده ولم يصدق في وعده .. رددتُ على صديقي: "لا حبيبي لا. فبصقته أطهر من أن تلامس بشرتهم". .. في أمان الحافظ الحامي ..
في أمان الله.