مقتطفات الجمعة 298
سنة النشر : 14/06/2013
الصحيفة : الاقتصادية
أهلاً بكم في "مقتطفات الجمعة" رقم 298 .
حافز الجمعة: شخصية الإنسان نسيج عجيب. ما الذي يجعل إنسانا رصينا، وآخر طائشا؟ ويجعل أحدهم قديسا والآخر شيطانا؟ إنها منظومة كاملة من الإرث الجيني، والتركيب العضوي، والتفاعل الدماغي، والانعكاس العصبي، حتى أننا لا نستطيع أن نقطع بأن شخصية سوية أو غير سوية، إنها طيف عريض تتقارب لطرف وتتباعد عن طرفٍ آخر .. توازن هذه العوامل يخلق الشخصية التي تقارب تخوم الاكتمال.
إن مظاهر، كالتوحد والأمراض العقلية والنفسية، انحرافات للعوامل الرئيسة في البناء الكامل للشخصية الإنسانية .. لذا تختلف شخصياتنا بمئات وآلاف الأنماط من هذه الانحرافات في قدرها ومستواها والجهاز الذي مسّهُ خللٌ أو أكثر في حالة واحدة. من القرن الثامن عشر عبر مدراس السلوك تطور فضول العلماء إلى الأداء الدماغي والعصبي، والتفاعلات الزاخمة بهما .. فتجد انحرافا إيجابيا، فيخرج نيوتن أو توماس أديسون أو ثريا عبيد. ويخرج من الزعماء غاندي ومانديلا .. وعلى العكس في ارتباك مقاس أو غير مدرك تنحرف العبقرية لمسار شرير فيخرج هتلر، وستالين، وجاك السفاح، ومهربو المخدرات والممنوعات، الذين يبتكرون خططا عبقرية لغزو الأرض وسكانها بموادهم المدمرة. ويخرج رجلٌ موهوب ماجن مثل أبي النواس، ثم يعود بذات العقل وحزمة الأعصاب تائبا قويما للملكوت الإلهي. كلنا أسرار الكون الكبير الأكثر غموضا وعمقا وتغيرا.
عقل الجمعة: من أكبر العقول التي عرفتها في قراءاتي الأجنبية "إيرنست هولمز". ابتدع هذا العقلُ عقلا جديدا كاملا ونشره على الأرض، ومع الوقت قامت المعاهد والمجتمعات الكنسية والدوائر الجامعية، والحلقات الروحية، وأطباء التشريح الدماغي والعصبي بتنصيب العقل الجديد طوطما تحج إليه أفكار أصحاب العقول. السيد "إيرنست" هو من اكتشف وشرح وطور نظرية في غاية الأهمية هي ما أسماه علم العقل للأفكار الروحانية The Science of Mind- for spiritual thoughts. وألف كتبا بديعة وضخمة قرأتها في مكتباتٍ تؤجِّر الكتب، ثم أخذتني الفكرة العظيمة للبناء العقلي الروحي واقتنيتها، منها مثل: "شيء يُسمَّى.. أنت!" و"تصميم جديد لمعيشة جديدة" و"فن الحياة" و"الخفي". كانت نظريته التي طورها عبر عقد من الزمن من العام 1926 حتى وفاته، نيزك تفجر على كوكب المعرفة العقلية النفسية والعلاج الخليط بين الروحانية والصيدلانية .. تعالج كثيرون من المرضى النفسيين وخصوصا في التوحد والانفصام والتيه (وكان هذا اسم تشتت الانتباه وقتها) وتحسنت أحوالهم .. ثم نُسيَت نظريةُ العقل الذي يعالج نفسه بكيمياء الروح. كان يستخدم الإنجيل في حالات كثيرة كحاث للهرمونات الدماغية .. فكيف لو بدأنا في دوائرنا النفسية والسيكاتريكية بتطبيقات مما هو أقدس .. القرآن الكريم.
حكاية الجمعة - ياسر: مرض فرط الحركة وتشتت الانتباه يعيث تخريبا بعقليات أطفالنا ثم مراهقينا ثم كبارنا. إنه المرض الذي يُعالَج فيصبح المصابُ عبقريا، وهو المرض الذي يُهمَل فيصير المصابُ مجرما بلا قلب ولا عاطفة. إن معظم سجناء الإجرام والمخدرات في السجون مصابون بالظاهرة. لذا تصدت جمعية فرط الحركة بقيادة محبة لمجتمعها هي الدكتورة سعاد يماني بالتنبيه عن المرض وتعمل على إنشاء عيادة كبيرة لعلاجه. وقصة ياسر مثال شاهق، تشرح الوضع: ياسر طفل في التاسعة أحضره أهله للدكتورة سعاد في عيادتها لأنه ضرب مدرِّسَه، تصوروا! وكانت الأسرة كاملة تكاد تصاب بأمراض نفسية ويأس من الحياة الطيبة بسبب أفعال لا يتحملها أحد من ياسر. وشرعت المدرسة في طرده. شخّصته الدكتورة وعالجته. بعد أشهر تأتي الأم متغيرة تشع فرحة وفخرا ومعها شهادة من المدرسة تهنئ ياسر بتفوقه بعلامات كاملة، ثم شرح استثنائي يقول: "المدرسة تشكر عائلة ياسر التي أجادت تربيته ليخرج تلميذا مثاليا". لو أُهْمِلَ ياسر لكان طريقه إلى الجريمة والسجون .. محتوما!
الشخصية باتزانها: زرنا، الدكتورة سعاد يماني رئيسة جمعية "أفتا" وأنا، أميرَ منطقة الرياض الأمير خالد بن بندر بن عبد العزيز. والقصد نقل رسالة له بما عرف من مبادئه بدعم العمل الشبابي والاجتماعي في منطقة الرياض، ووجدناه أكثر حماسة، وهو الذي يبادئ ويبادر. لفتتني شخصية الأمير خالد، إنه من القلائل من كبار المسؤولين الذي يجيد ببراعة فن الإنصات، لقد تكلمنا حتى صرنا لا نجد شيئا نضيفه وهو مصغ باهتمامٍ بلا مقاطعة. وبعد أن تأكد أننا أنهينا ما في جعبتنا من الشرح والكلام، بهدوء، أعاد كل الفوائد التي تعود على الأمة في دعم الجمعيات الفاعلة والنشاط الشبابي الذي يضيف روحا وعقلا للمجتمع، ولم يتردد في أن يكون مشجعا أكثر منا، ويعلن صداقته لجمعية "أفتا"، كما هو صديق لكثير من المناشط الاجتماعية. توازن شخصية الأمير من صرامة الانضباط العسكري، كان وقته محددا لم يتأخر ثانية - بل نحن من تأخر - ثم إن الصرامة العسكرية ارتدت إهابا جماليا وملامح مريحة تؤهله ببراعة للتواصل مع الناس، أكانوا من موظفيه أو من عامتهم. شخصية توازنت، فأشرقت براعةً.
والمهم: إن التوازن العقلي والروحي يصبغ عظمة الإنسان .. لا طبقته، ولا صفته، ولا وظيفته.