مقتطفات الجمعة 295

سنة النشر : 16/05/2013 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلاً بكم في "مقتطفات الجمعة" رقم 295 .
 
حافز الجمعة: ''من وحي شخصية اليوم'' - عندما تنتهي مرحلة، فهي تنتهي ماديا، ولكن يبقى وهجُها، وأثرُها وتراثُها، ومعناها، وتفوقُها، وأخلاقياتُها ومبادئها.
 
دعوة: قضيت وقتا سعيدا مع مبتعثينا بجامعات الإمارات الشقيقة. دارت مؤامرة لجعل مناسبة ملتقى الإبداع الرابع لهم فصلا من الإتقان والجمال والمعرفة. وفخري بهم يتعدى حدود ما جربته من إعجاب. وأقدم تحية خاصة للملحقية الثقافية بسفارتنا يقودهم الدكتور صالح بن حمد السحيباني.
 
لا يجب شكر من يؤدي واجبه، ويجب عتاب ولوم من لا يقوم بواجبه، إلا أن السحيباني وإدارته تعدوا حدود الواجب قافزين لمساحات المبادرات القلبية من العطاء. رأيت أن طلبتنا هناك من أسعد الطلبة الذين زرتهم، من العادي في كل دولة أزور فيها بناتنا وأبناءنا أن يأتي جمع يحملون الشكوى والانتقاد، إلا بملحقيتنا الثقافية في الإمارات، اتفاق لطيف، وتداخل عجيب، وهي الملحقية الوحيدة التي يتبادل فيها الطلبة وموظفو الملحقية الأعمال والتنسيق، حتى أنك تشعر بأن الملحقية بيت مفتوح بلا عُقَد ولا موانع ولا اختلاق ''أسباب الأهمية''، التي يعتقد البعض أن التعبير عنها هو بوضع الخنادق والبوابات دونها. طلبتنا في الإمارات يدخلون بيتهم، ويشعرون بأنهم عائلة وأهل.. وكله يجري سهلا رخيا بلا لفتات الصرامة الرسمية.. لو طلبتم مني التعبير رسما عن الملحقية الثقافية السعودية بالإمارات، لرسمتُ قلباً مبتسماً، وعليه رداء المعرفة الجامعية الجادة.
 
شخصية الجمعة: واحد من أشهر الشخصيات في البلاد. عرفته صديقا وكان من أكثر الأصدقاء تبسما وتواضعا وتفاؤلا وإشعاعا شخصيا جماليا. وعرفه أبناء الأمة كقائدٍ رسم وحقّق لنا انتصاراتٍ رياضية لا تُنسى في القارة الآسيوية. وهو اللاعب الرشيق في زمانه، والمدرب الذكي العطوف، والناقد والمحلل، وأضعه بمصاف الشخصيات الفخرية الأولى في كرة القدم. ''خليل إبراهيم الزياني''، كتبت عنه قبل سنوات صحيفة سنغافورية: ''الزياني ذاك الرجل الوسيم الممشوق هو من أفضل ما قدمت القارة الآسيوية من المدربين الأذكياء وأفضل من يضع الخطط (النفسية)'' قيل ذلك ونحن نحلق الأعلى في مسابقة آسيا التنافسية في سنغافورة. المفتاح في مهارات الزياني - ويحب أن يسميه أبناء الأمة ''أبو إبراهيم'' - أنه كما قالت الجريدة السنغافورية مخطط نفسي. وهذا يعني أنه يعرف أن يضع يده على زر تشغيل قلب كل لاعب، إنه عادة يعتمد الخطة الكلاسيكية 4 - 3 - 3 مع جناحين عائدين وظهيرين متحركين للأمام، وهنا يبرع الزياني في التأدية النفسية للاعب بإذكاء مفهوم الاطمئنان أن أصدقاءه يساندونه في ظهره وبجانبه.. فالتي تنجح الحالة النفسية، وليست فقط الحالة الميدانية. لذا كان خليل فريدا.. وفي الذاكرة كذلك سيبقى!
 
سؤال الجمعة: تسأل طالبة الدكتوراه إيمان الباقر: ''من هي في رأيك أهم شخصية نسائية بقصة كلاسيكية عالمية''. وأجيب الدكتورة إيمان من رأي شخصي بحت لا يرتكز على دراسات مقارنة. تجاذبتني شخصيتان؛ الأولى ''مدام بوفاري'' لجوستاف فلوبير الفرنسي، على أنه من الارتكاز الدرامي رجحت كفة ''آنا كارنينا''، التي جعلتني كقارئ متابع وبسيط لكل ما كتبه كبار الأدباء الروس والعالميين، أرى فيها تجلي عبقرية ''ليو تولستوي'' في السرد المبهر، والعمق النفسي بصراعاتها، وانتصاراتها، وانكساراتها، وشغف حبها، وانكفاء ندمها. لقد قدم تولستوي في ''آنا كارنينا'' جمال القصة، حبكة الدراما، ووضوح المَشاهِد، وكأنها بانوراما عريضة ملونة، ووصف آنا كارنينا كما لم يصف كاتبٌ بطله أو بطلته، حتى أنك تستطيع أن تعد مسام وجهها. ودقة المعرفة النفسية النافذة بشرح الشعور المتلاطم لما وقعت آنا بغرام الشاب المتفجر طاقة، والعاصف الجاذبية الضابط فرونسكي. وإبداع عبقرية الوصف لمدينة ''بطرسبرج'' في القرن التاسع عشر، ورسمه بتفصيل للطبقة المخملية فيها، ومنهم ''آنا'' الزوجة الذكية الباهرة الجمال والباذخة الحضور نجمة حفلات بطرسبرج المترفة، وأم لفتى جميل وذكي.. تدهورت حياتها لما عرفت الضابط الشاب فخانت كل شيء عرفته، وحاولت الكتمان، ولكن الخبر انتشر، ولك أن تتصوري كيف وصف تولستوي العظيم لجلجة المدينة وتناقل القيل والقال، والأثر النفسي الفظيع الذي جعل امرأة لديها كل شيء تتنازل عن كل شيء من أجل ضابط مغامر. لما انتهت فورة العلاقة، بدأت أقصر وأثرى ملحمة ندم واحتقار يعانيه إنسان لما حاولت العودة لحياتها التي هجرتها. نعم يا دكتورة، أستقرُّ على ''آنا كارنينا''.
 
والمهم: أحدثت مفاهيمُنا وصراعاتُنا واختلافاتنا شقوقاً في جدار وحدة الأمة. كلُّ فريقٍ يريدونه جدارا بطوبٍ متشابه كما يبغون. الأجيالُ الجديدة ستقوم بعون الله ببناء جدارٍ جميلٍ ومتماسكٍ ومن طوبٍ.. متعدّد الألوان!