مقتطفات الجمعة 286

سنة النشر : 22/02/2013 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلاً بكم في "مقتطفات الجمعة" رقم 286 .
 
حافز الجمعة: قبل تقدُّم عملياتِ التطهير والتنقية، كان يُلتقَط السوسُ والشوائبُ والقشورُ من الرزِّ ليعود نظيفا. أحداث الحياة كالرز فيها أصل السعادة وطفوٌ متوزعٌ من قشور الأحزان، وزؤان القلق، وعوالق التشاؤم .. وهناك من لا يلتقط إلاّ الأصلَ السعيد ويُبقي الشوائبَ، فلا يحق له الشكوى فما أبقى في صحنِ سعادتِهِ شيئاً .. رمَاه!
 
ما يجري في العراق وسورية وتونس ومصر واليمن والبحرين يحزننا. ونرى ما يدور في أحداثٍ بأوطاننا فنحزن. والسؤالُ الذي يجب أن نجيب عنه بكامل حضورنا الذهني: هل نحن من فرَضَ الحزنَ بإبعاد الأصل السعيد؟ لا أعرف، ولن أدعي ذلك. ولمّا تنظر إلى شوائب كل مجتمع فستجدها بالفرقة الطائفية والقبلية والمناطقية والتصنيفات العقائدية والعقدية، وفي الفكر والثقافة، وفرضُ معنى للوطنية لطرفٍ ما وإقصائه عن الآخرين، والفسادُ ينخر في عصبِ الأمّة، والمصلحية الضيقة. وهنا يكون لك أن تتأمل لماذا لم تزدهر وتكبر عندنا إلا الشوائبُ؟ هل رمينا عمدا أصل السعادة التي نعرفها، بترك الوحدة الوطنية والحب الحقيقي للوطن بمعناه حين يكون العدلُ والفرَص كالسحابة التي تمطر بلا تفرقة على الجميع .. وإذا كنا نعرف كل تلك الشوائب ونمارسها، فهل هذا يا ترى كافٍ لإجابة السؤال؟
 
شخصية العدد: ترى الدكتور ماجد بن عبد الله المنيف جالساً، أو تتمشى معه في ممرٍّ تتبادلان الحديث، لن يمكنك معرفة أنك تسير بجانب خزان علمٍ متحرك. فهو غاية في الالتصاق بالأرض تواضعا، وتواضعه ليس من ذاك التواضع الذي يتعمده الشخص لفضله، فيذكر نفسه ثم يلزمها به، وهذا رائع، تواضعه بطبيعةٍ مائيةٍ، يجري تواضعه تلقائياً سهلاً بسيطاً رقيقاً بمجراه، ويقول لك علماءُ الجيولوجيا إنه مع الزمن ينحت أعتى الصخور. من تركيبة الدكتور المنيف المتواضعة أنه يقدم العملَ والعلمَ كما قلنا، كما يسقي الماءُ الأرضَ وهو لا يعلم، أو لا يهمه أن يعلم؛ لأنها مهمة وجوده بالأصل. هذا النوع المائي العبقري من البشر تجده واقعا حيا في الدكتور المنيف. هو الآن الأمين العام للمجلس الأعلى للاقتصاد. ذلك الرجل بعبقريته المائية سيكون الوصول إليه مريحاً، فلا استئثار برأي، ولا حجب لرأيٍ يستحق أن يأخذ مجراه، وهنا تعمّ رقعة النفع الثمر. سيجده العاملون معه بنكا من المعلومات المخزنة في نظام لمواضيع الهيكل الذي يُبنى عليه اللحمُ الاقتصادي للأمة، فهو اقتصادي من الطراز الرفيع وكتبه تُدرَّس في الجامعات، ويمارس ميدانياً مهماتٍ عمليةً اقتصادية في القطاعين العام والخاص، وخبير دولي في الاقتصاد النفطي - نسغُ حياتنا الاقتصادية بالمنطقة.
 
وعمل سابقا في المنظمة النفطية "أوبك"، وفي المجلس الذي صار أمينا عاما له كمستشار يعوَّل عليه. راج أنه سيكون الأمين العام لـ "أوبك"، وهذا فخر لنا ولبلاده، إلا أن النفعَ سيكون بدائرة الحوارات والقرارات داخل المنظمة. اختياره كأمين عام للمجلس الاقتصادي الأعلى أعم وأنفع وأكثر مباشرة للواقع النفعي الاقتصادي للبلاد وشعبها. هناك عقولٌ لا يهمها الصعوبات ولا الشوائب التي تأتي في طبق واحد مع الصفاء، فيبرزون بحلّها؛ لأن عقولهم تكون أكثر نشاطا بمواجهة التحديات. المهم أن تكون لهم الحرية في إدارة مواجهة تحدياتهم!
 
كنت مع مجموعة من الصحافيين الكبار وأعضاء من الكونجرس الفلبيني وحاكم لمقاطعة في "منديناو" لنناقش قضية الاستفادة الاقتصادية من منديناو.. وقُدّم لنا طعام طيب المذاق، وحرص الطباخُ على أن يكتب بكريمة المايونيز على أول طبق من السلطة القيصرية: "هذه السلطة حلال وكل الأطباق التي تليها". وأعجَبَني ذلك. بعد نهاية آخر طبق، قلنا للنادل: "من فضلك نريد أن نشكر الطباخَ شخصيا". بالفعل استُدعيَ الطباخُ، ولم يكن كما توقعنا طباخاً سميناً أحمر الوجه بطاقيته العالية كما هي الصورة النمطية، بل طبّاخة! فتاةٌ قصيرة وباسمة بخجلٍ صارخ، وانحنت واضعة يدها خلفها بطريقة التحية الراقية عندهم. لما عادت رأيناها من الخلف.. بلا كفّين! هذه الطباخة اسمها "أليس" هي الطباخة الرئيسة لأرقى فنادق العاصمة الفلبينية "شانجري - لا".
 
 لا أشك إلا أن طبق حياتها كان مليئا بالشوائب أكثر من الأصل السعيد الذي لا يُرى في الطبق، ولكنها معجزة تنقية للشوائب بتحدّيها العظيم. لم أتعجب حين رأيتها تتصدّر تحقيقاً في أكثر مجلات الدنيا توزيعا: "ريدرز دايجست!".
 
في أمان الله،،