مقتطفات الجمعة 280

سنة النشر : 23/11/2012 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلاً بكم في "مقتطفات الجمعة" رقم 280 .
 
حافز الجمعة: ما الحياة إلا قرارات متواصلة نأخذها لأنفسنا أو لغيرنا.
 
الحياة عبارة عن سلسلة قرارات. ما يرسم حياتنا وتبعات حياتنا إنما هي قرارات نأخذها نحن لنا، ونأخذها لغيرنا، ويأخذها غيرنا لنا. بعض هذه القرارات كبير جدا ويحدث رد فعل رعدي، وبعضها متوسط الحجم يغير اتجاه أشرعتنا كرياح تجارية ونحن في عرض المحيط، أو قرارات صغيرة، وهي في رأيي أهم القرارات لأنها الفسيفساء التي تلون جدار حياة كل منا. جوهر حياتك يعتمد على نوعين من القرارات: قرارات تأخذها، وقرارات لم تأخذها، وقد تأخذ قرارا صحيحا أو خاطئا، وقد لا تقدم على قرار ويكون صحيحا أو خاطئا أيضا.. وإن قال البعض عدم اتخاذ القرار هو قرار بحد ذاته فسينطلق من قاعدة منطقية. سنمتلئ فخرا وسعادة بأنفسنا عندما تكون نتائج القرار الذي أخذناه إيجابية، كما سنترع ندماً وأسفا متى كانت نتائج قرارنا سلبية.. وكلها قرارات كان علينا اتخاذها.
 
في مساء الثلاثاء الماضي سعدت بحضوري حفل الخطابة بالعربي ''التوستماسترز''. ولم تكن سعادتي عادية. فالتوستماسترز بدأ عندنا في المنطقة الشرقية باللغة الإنجليزية، وكان يفوز به الأجانب من الجاليات الهندية والباكستانية والفلبينية والأمريكية. وكتبت بعد حفل خطابي عقد ببهو المدرسة الهندية أني أتفاءل بفوز سعوديين في المستقبل، وما هي إلا ثلاث سنوات حتى حصد السعوديون جوائز التوستماسترز هنا وفي دول الخليج ودول عربية، وحصدوا جوائز عالمية. اتخذ الشبابُ قرارا بأن يبدعوا بلغة غير لغتهم وكانت النتائج إيجابية، وكنت سعيدا لما قرأ أحدهم ما كتبتُ تفاؤلا، وأنهم حققوه. ثم تمنيت أن تكون باللغة العربية، وجاء من يقول إن اللغة العربية ثقيلة ورسمية ولا تصلح لبعض فئات الخطابة كالفكاهة والارتجال، بعد عامين حضرتُ أول نسخة بالعربية، وأبدع الشبابُ بجعل اللغة العربية متحركة وعصرية ونابضة، وفي فقرة الفكاهة كدت أقع على قفاي ضحكا. سر سعادتي الثلاثاء الماضي أن الغرفة التجارية في الشرقية تبنت للمجتمع برامج الخطابة العربية وأثبتت أنها تتفاعل مع مجتمعها وفكره ولغته وشبابه.
 
وكان الأخ عبد الرحمن الوابل أمين الغرفة في مقدمة الحضور وسعادته لا تخفى. كما أشكر جامعة الدمام، التي مثلها الرجل الراقي الدكتور عبد الرحمن حريري - وإعجابي بعائلة الحريري من البيوت الحجازية المعروفة كبير - في تبنيها برامج الخطابة لطلابها، وكان حضور الدكتور حريري غامرا. ولا بد من ذكر الأخ عبد العزيز الدليجان دينامو مهمة الخطابة العربية في الخليج. وترون أن الشباب أخذوا قرارا لم يكن سهلا، فجاءت نتائجه أكبر مما توقعناه.
 
شخصية الأسبوع: ''إبراهيم الحواس'' قرر أن يفتتح مقهى في واحد من أكبر أسواق مدينة الخبر، إلى هنا والقرار الذي أخذه السيد المهوس عادي.
 
إنما غير العادي ما فعله الحواس في خطته لافتتاح مقهاه. المعتاد أن يُدعى شخصية عامة مشهورة أميرا أو وزيرا أو وجيها، إلا أن إبراهيم كان قراره أن يكون ضيف شرف الافتتاح ولا أي شخصية عامة.. إنما مجرد شخص من عموم الناس. ولكن هذا الشخص يعبر عن أعمق المشاعر النبيلة من إنسان تجاه آخر. تتذكرون الفتاة الشابة نجلاء التي أصيبت باللوكيميا وتحدثت عنها في الجمعة السابقة.. إنها هي من قرر السيد ''المهوس'' أن تكون نجمة الافتتاح والمشرفة عليه وباسمها. شيءٌ آخر جعلني أكون مرؤوسا لأحسن رئيس، وهو أن نجلاء قررت أن أنوب عنها، وأخبرت السيد المهوس بذلك، ثم صارت تملي علي وتوجهني كي أكون ممثلا لائقا لحمل اسمها وتمثيلها خير تمثيل.. أكتب هذا وأنا حتى الآن لم يحن وقت ذهابي لحفل الافتتاح ممثلا عن نجلاء.. وأرتعدُ خوفا من ألا يُرضي أدائي رئيستي.
 
المجلة الصغيرة: قبل 90 عاما في شقة صغيرة في ''جرينتش فيلج'' من أعمال مدينة نيويورك، بها رجل اسمه ''دي وت والاس''، اتخذ قرار أن يشتغل على حلمه، ويسميه ''حلم المجلة الصغيرة''، كانت فكرتها أن يشارك القراء من المجتمع العريض بمقالاتهم وقصصهم وتخصصاتهم. الآن المجلة الصغيرة تخرج من كل عدد 84 إظهارا مختلفا وبأكثر من خمسين لغة وتصل إلى أكثر من مائة مليون قارئ في العالم. إنها مجلة ''ريدرز دايجست''، المجلة التي أمتعت وثقفت الملايين، بل أنقذت حياة الكثيرين عبر مقالاتها الطبية، كُتبت فيها أحلى القصص وأروع المقالات، وهي متعة بالدقة والتنوع العلمي والفكري وحتى الطرائف وأجمل الاقتباسات.. قرارٌ صغير من رجل بإمكانات صغيرة كان حلمه.. مجرد مجلة صغيرة!