مقتطفات الجمعة 279

سنة النشر : 16/11/2012 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلاً بكم في "مقتطفات الجمعة" رقم 279 .
 
حافز الجمعة: التردّدُ قاتلُ الهممِ، ومعولٌ يحطم طريق الإنجازات. أي عمل آمنتَ به ودار مع نسْغ دمك، وخلايا وجودك، ودرسته جيدا.. فلا تتردد لحظة، أقدم عليه كما يُقدم فارسٌ شجاعٌ على معركةِ انتصاره.
 
لمّا تكلمت عن النفاق الذي سميناه ''ورم الأمة'' تلقيتُ رسائلَ عدة من شخصيات من مختلف طبقات المجتمع، يعطون أدلّةً بأن النفاق هو السمّ الزّعاف الذي يفتك بجسد أي دولة، وأي مجتمع، وأنه أكثر الأمراض الاجتماعية ضراوةً وخبثا. وإني أشكرهم على رسائلهم الخاصة التي وصلتني على بريدي الخاص، وبعضهم كتب عليها ''خاص وليس للنشر''، وكأني أنشر كل ما يصلني، إني لا أنشر إلا بطلب من صاحب الرسالة، وليس فقط استئذانا، حرصاً على احترام منطقتهم الشخصية. كلهم تفننوا هجوماً ضد النفاق.. وتردّدوا بذلك علنا. لا ألومهم.. فقد جرى وهمُ خوفٍ وتخوَّفٍ صدّقناهُ جميعا.
 
شخصية الأسبوع: من يصلون للأضواء والشهرة ليس دليلا على أنهم أفضل عناصر الأمة بصنعتهم، أيّ صنعةٍ كانت؛ فكريةً أم إداريةً، أم مهنيةً. الشهرةُ في كثيرٍ من الأحيان تأتي بضربات الحظ التي تعتمد على المعرفة والعلاقة، والتسلق أحيانا. هناك مشاهيرٌ يستحقون كل نقطة شهرة، وبعضهم لا يستحق نقطةً واحدةً لولا نقاط الحظ والعلاقة. هناك عقولٌ إمّا متوارية وإما أنها تحبّ التواري، عقولٌ مدهشةٌ بعضها يتعدى أي عقلية تعرفها بصنعتهم، وأقدم دليلا على هذه الفئة الدكتور ''خالد بن إبراهيم العوّاد''. الدكتور ''العوّاد'' ليس فقط من أصحاب العقول النشطة، والبديهة الحاضرة في معالجة المواضيع المعقدة ووضع استراتيجية حلول لها، بل هو صاحبُ ضميرٍ وطني لا يباهي به، ولا يُعلن عنه، ولكن كل فكرةٍ ومناداةٍ تخرج منه تدل عل اعتمالٍ بُركاني داخلي لرفعة مستوى وطنه، وبالذات فيما يتعلق بالشباب عملاً وعلماً وفكراً وتأهيلاً .. وتقديرا. الدكتور ''العوّاد'' نال شهادتَه العليا في الاجتماع على أن دائرته العقلية واسعة جدا جامعاً بين عنصرَي الأكاديميا والحس الواقعي الميداني. عندما ترى ''العوّاد'' القسيم الملامح البسيط الطلة ستضع يدك على رأسك لو عرفت أدوارَه الكبرى في البلاد ودراساته وبحوثه. زاملني الدكتور ''خالد العواد'' في لجنة الشباب والأسرة والمجتمع في ''الشورى'' من أول يوم .. ومن أول يومٍ أُخِذْتُ بعقلية الرجل وفصاحته وقدرته على الإقناع المنطقي.. وحبا خالصاً لناسِه ووطنه. ما زلنا بحاجة إلى عطاء أكبر ومكان أكبر - وبلا تردد - للدكتور خالد ليس لأنه يستحق.. بل لأن وطنه يستحق!
 
بطلة الجمعة: بنتٌ تأخذ بمجامع القلب صغيرة اسمها ''نجلاء''.. وصار لنجلاء شهرة ومعجبون بالتويتر، ترسل لأرواحنا جميعا صغارا وكبارا رسالة اسمها: الأمل والإيمان. الأمل بأن عون الله قريب والرجاء به أقرب، وإيمان بأن كل ما يصيبنا من الله هو خير. نجلاء الصغيرة تتضارب خلايا دمها مسببة مرض اللوكيميا. البنت نجلاء ترسل رسائل جميلة ورائعة عن عراكها ومواجهتها اليومية مع المرض والعلاج .. ولا تصدق أنها في فجر عمرها. سبحان الله، بعض النفوس تكون أشجع وأقوى وأعمق أيمانا في المحن العظمى. ذكرتني نجلاء بالغالية ''ريما نواوي'' - رحمها الله - التي حتى قبل ليلتين من وفاتها كانت تضحكني حتى يصيب فكي ضربٌ من الشلل. كل مرة أتعرف على هذه النوعية من الناس، أحزن، ولكنهم يعلمونني أنّ لا داعي للحزن وأن ما يصيبنا من الله رحمة .. لن أنسَى ما قالته لي ريما: ''نجيب.. خلاص، اشتقت لربي''. ثم سمعته من عشراتٍ بعدها. هل تفطَّر القلبُ؟ لا أدري! الرائع في قصة بطلتي ''نجلاء'' أن شهما غريبا عنها تقدم - بلا تردد - ليتبرع لها بنخاعه وتطابقت الأنسجة كما علمت.. وبلا مقابل. انظروا روعة وجلال المشهد.
 
قدم منتخبُنا مباراة تكتيكية ممتازة مع منتخب الأرجنتين الذي بدا غير متحمس للعب، خصوصا نجمه الكبير ميسي. ولكن هذا لا يعني أن منتخبنا لم يتقدم بصورة فاجأتنا. أعجبني تحرك وانتشار اللاعبين في رقعة الملعب، واللياقة، وطريقة حفظ طاقة كل لاعب على مدار الشوطين، فليس اللعب كله خطط بالملعب، بل أيضا تكتيك علمي تشريحي لعضلات كل لاعب وطريقة خزنه لطاقته في الاندفاع والسرعة واسترجاع انتظام القلب .. وكان ''ريكارد'' مُجيداً في هذه الناحية وكان لا عبونا مجيدين في تطبيق خطة تشريحية فسيولوجية - بلا تردد - مع الخطة التي تموّهت أكثر من مرة في إطار خطة كاملة.. قبل البارحة تنفسنا الصعداء.
 
والمهم: سُئل ''فيلكس بومجارتنر''، لم قفزت من ارتفاع 38 كيلومترا بلا تردد ولم تنتظر لتصميم وإرادة القفز؟ قال: خفتُ لو ترددتُ لحظةً.. لتراجعت!