حافز الجمعة: عندما يُفرغ العقلُ من ثقافته الأصيلة التي تحدد هويته ومواصفات إنسانيته، فلا بد أن يُملأ بشيء آخر.. وبالطبع لن يكون من ثقافته الأصيلة التي تحدد هويته وصفات إنسانيته!
ما الذي حصل لقطاع من قطاعات شبابنا؟ أسأل نفسي: ما الذي حدث؟ هل نمنا عنهم ثم استيقظنا ووجدناهم وقد أُفرِغ أهم ما في عقولهم، وهو ثقافتهم وصفات هويتهم.. أذهب لمقابلة مجاميع من شباب بدأوا بإدارة مرافق كبرى ومهمة بل استراتيجية، ثم يدعونك للحديث بالإنجليزية، لأنهم لم يعودوا يفهمون العربية خصوصا الفصيحة.
وأعترف أني كنت ألبّي الطلبَ خصوصا من شركاتٍ كبرى، باعتقاد أن الجمهورَ خليطُ جنسيات، على أني اكتشف في أحايين كثيرة أننا كلنا عرب، أبناء عرب، في منطقة معجونة بالعربية، وبسحناتٍ عربية، ثم يكون الحديثُ إنجليزيا صِرفا. وصار أني امتنعت عن الحديث بالإنجليزية لشبابنا، ومع أني أجد صعوبة في التعامل السهل معهم باللغة العربية، فهم لا يفهمونها خصوصا في شؤون العلم والفلسفة العلمية وحتى أحيانا في الأمور العادية، لا يحسنون التعبير عربيا، وتجري اللغة الإنجليزية سهلة معهم.. على أن هذا مع سلبيته منتشر في المنطقة الشرقية من البلاد، بحكم وجود الشركات ومختلف الجنسيات، لكني صعقت أني أجد فئات شبابية في الرياض لا يحسنون العربية، وتأتيني في ''التويتر'' و''الفيسبوك'' رسائل بالإنجليزية حتى من مناطق كالقصيم والوشم.. وفي الغربية في مدرسة ثانوية، لما تكلمت بالفصحى، احتجّت شابةٌ صغيرة: ''اتكلّم عربي عشان نفهمك..'' يعني لم تلتقط كلمةً بالفصحى، أما عربيتها فهي خليط كبير من الإنجليزية وقليل من اللهجة المحكية. انتبهوا!
في كتاب ''المتنبي'' القديم من طباعة ثلاثينيات القرن الماضي للأديب والمفكر المصري المعروف محمود محمد شاكر، انتقد طه حسين الذي وصل مصر متحمسا لنشر الثقافة الغربية وخاصة الفرنسية بدءا بالتشكيك في الأدب الجاهلي بقصة معروفة، قال شاكر: ''إن هناك تخريبا للثقافة المصرية، والمسؤول عن التخريب هو طه حسين، لأن تشككه في الثقافة العربية أحدث ''نوعا'' من التفريغ في العقل العربي''. الآن مظاهر التفريغ صارت أكثر وضوحا، وكما قلت: التفريغ سيُحشى بشيء آخر.. قد يكون مدمرا. أرسل لي أحد الإخوان على ''التويتر'' رابط فيلم كرتوني يُعرض في محطة شهيرة للأطفال مليء برذالة الأخلاق، فالبطل يقول أنا شرير أنا رذيل.. وقصد شذوذا فاضحا بنظرته للأطفال. إن لم يكن هذا تفريغاً مخططا للعقل العربي من الصغر، فبالله عليكم، ماذا يكون؟!
اقتراح في اللغة: اللغات اللاتينية والسكسونية كالفرنسية والإيطالية والإنجليزية والألمانية تنقصها حروفٌ ننطقها بالعربية كالضاد، والحاء، والخاء. لذا لا يحسن أهل هذه اللغات النطق بكلماتٍ وأسماءٍ عربية، وهذا عجزٌ ونقصٌ في اللسان الناطق. وكذلك أيضا اللغة العربية تنقصها حروف موجودة في لغات الأسرة الهندية اللاتينية والسكسونية والفارسية والأردية والتركية مثل الفاء الثقيلة V، والباء الثقيلة P، والجيم المعطشة G التي تنطق كالجيم المصرية، وإضافة هذه الحروف إلى اللغة العربية ستعتبر ثروة مضافة. فحبذا لو تدارس جهابذة اللغة في ذلك، ثم عملت المطابع وصناع آلات الطباعة وألواح الحروف على إضافة تلك الحروف، فتصحّ ألسنتنا ونطقُنا في عصر اختلطت فيه الأمم وتواصلت لغاتها.
ويسأل الأخ الدكتور عبد الرحيم أبو صابر: قرأت لك مقالا عن أبي حامد الغزالي، وسميته إماما، قل لي بالضبط عن موقفه من الفلاسفة والمتكلمين؟ تحدث الإمام الغزالي عن الموازين الخمسة التي ذكرها في كتاب ''القسطاس المستقيم''، أنها تعاليم الأنبياء، وأنها لا تختلف عن منطق اليونانيين إلا في العبارة. وأميل بالظن أنه يريد أن يقول إنها تعاليم مستقيمة وحكيمة، وبما أن اليونان حكماء فهم يؤكدون استقامة تعاليم الأنبياء، ولم يقصد أسبقية اليونان. وهو من قال في كتابه ''المنقذ من الضلال'': ''إن طريق الفلاسفة فاسدة لا توصل إلى يقين''، وذمها أكثر مما ذم طريق المتكلمين، وتراه هنا ضد الاثنين بصراحة. وصحيحٌ أنه كما قال أحد تلاميذه: ''شيخنا أبو حامد دخل في بطن الفلاسفة ثم أراد أن يخرج منها فما قدِر''. وتعرف أن بعض الفقهاء أنكر عليه قوله بمعرفة الغيب بدون توسط الأنبياء، وقيل إن أبا حامد أمرضه كتاب ''الشفاء'' لابن سينا الطبيب، وكان ابن سينا أودع فيه فلسفة يونانية وعقلية، فيقول ابن عربي، وهو الصوفي الكبير لامِزاً: ''برئنا إلى الله من معشرٍ بهم مرض ''الشفا''- فماتوا على دين رسطالِسٍ وعشنا على ملّة المصطفى''. ولا أستطيع أن أعطي حكما، فلست متبحرا في الفقه ولا متخصصا شرعيا، ونقلت لك معلومات محايدة ما أمكن، لترى ما ترى.
والمهم: أعيدوا ملءَ عقولٍ أُفرِغَتْ، فالخطأُ لم يكن خطأهم!