مقتطفات الجمعة 269

سنة النشر : 10/08/2012 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلاً بكم في "مقتطفات الجمعة" رقم 269 .
 
حافزُ الجمعةِ: يا إلهي، إني لمستطيعٌ أن أواجه معاناتي وآلامي، ولكني أنكسرُ أمام آلام ومعاناة الآخرين.
 
سمّوا أنفسَهم ''مجموعة الإيمان'' وأحببتُ ذلك، مع أن لديهم استفسارات عقلية وورائية، فهم يسألون: ''كيف نفسّر كل هذه المعاناة والآلام والكوارث؟ وكيف سندخل عراةً من المعرفة والاستعداد لمستقبلٍ مجهول؟''. أخصصُ المقتطفاتِ لإجابتهم.
 
إني لا أقدّم علاجاً سريعاً ولا أستطيع أن أُحْضِرَ لموائدكم إجاباتٍ شهيةٍ وسهلة. الحقيقة علينا جميعاً أن نقدم المساعدة لبعضنا لنخفف من آلام الحياة. لا أستطيع ولا تستطيعون أن تأخذوا مأساة طفل أو أم في غزّة أو سورية أو في بورما ، أو فقير مدقع حتى في أغنى بلداننا، ونصورها سهلة ونربّت على الأكتاف بأن كلَّ شيءٍ سيكون بين لحظة وأخرى كما نحلم ونتمنى. لماذا؟ لأنها فعلا ليست بسيطة، ولا هي قابلة للتبسيط، بل ضاغطة ومحطِّمة لكيان المتألم المعاني. ما نستطيع أن نقدّم وجعاً مشتركاً مع كل المعذَّبين والمتألمين وأن نتبني هذا الألمَ حقيقةً قدر ما نقدر.. لأن الشفاءَ من الكوارث يكون بالأملِ والعملِ الذي ينفجر من ضغط المعاناةِ وثقل الأحزان.
 
مسألةُ المِحَنِ والإيمان: الإيمانُ داخل قلوبنا من بناء غريزتنا الأصلي، انظر كتاب ''لغة الله The language of God'' الذي وضعه كان من أكبر ملاحدة زماننا وقاد أكبر كشفٍ علمي على الإطلاق في العقود الأخيرة؛ الخريطة الجينية البشرية بعجائبها المذهلة، وأثبت كيف يتعامل الدماغُ كيميائيا ضمن آلية غريزية في التأمل الخشوعي والإيماني، يعني أننا نحمل في تأسيسنا الحيَوي التَّوْقَ للإيمان كما للهواء والطعام. الفرق، أنك تستطيع أن تصبر بلا إيمان ولا يمكنك حيويا الصبر بلا ماءٍ وهواء. وقضية الصبر هذه هي المدخل الذي يدخل إليه عقلُ من يبتعد عن الإيمان ظنا أنه ليس في حاجةٍ إليه، ثم تأتي تجربةٌ مزعزعةٌ تكون أولى صرخاته فيها هي: ''يا الله''. إن العالمَ الملحد - الذي كان - وراء كشف أهم خارطة في الكون، آمن بعد كشفه المعجزة التي هي نحن إيمانا روحيا منقطعا، بالعلم والعقل، وهو الآن أكبرُ منافحٍ عن الإيمان. بل، ولا عالم من الملحدين وقف يعارضه في إثباتاته العلمية التي قادته لمعرفته لغة الله.. والإيمان بها.
 
في اللحظة الرهيبة تصرخ فيك الغريزة الكامنة، تصرخ بك ولك لغةُ الله، فأنت متيقنٌ ألا أحد في كل الدنيا سيكون قادراً على مساعدتك مهما أحبك. وكأن اللهَ ترك لنا مغناطيساً مقدساً داخلنا يجذبنا إلى مراتع الإيمان مهما حاولنا أن نضل ونبتعد، كل الأمر أن البعض منا يعانِدُ أطول، ومن يعاند أطول ستكون قوة الشد إلى نقطة الإيمان سريعة وقوية وبارقة، فيعود أكثر الناس قناعة وغيرة على الإيمان. وهذه أمورٌ لا تحتاج إثباتا فمن كثرتها تُرى بلا بحث.
 
هذه الدنيا تلةٌ هائلة، نحن سعداء ومرحون بالصعود وربما نريد أن نصل وحدنا دون رفقةٍ إلى قمَّتها، وربما نسينا أهم الأشياء. وفي المنحدر حيث الآلام والمآسي والوجع ومواجهة الحتْف نكون في أشدِّ ضعفنا وخوفنا أكُنَّـا مؤمنين أم من غير المؤمنين. ولكن.. من الأكثر أملا في النجاة؟ لا شك أنه من يعتقد أنه ليس وحيدا وأنّ معه أقوى الأقوياء، سبحانه. ولا ننسى أن الإيمانَ أو قلته هو حالة ذهنية ونفسية. وبالتالي عقلُ المؤمن ووجدانه وهو يسقط يوقنان أن شبكة الله تحته لتنجيه.. بأي شكل.
 
المستقبل: لا أحد يعرف ما سيحمله ويخفيه المستقبلُ لنا، مهما توقعنا من وقائع الحاضر. ولكننا سندخل بواباتِ المستقبل وسنلج ساحاتِه وميادينه ليس عراةً من القدرة كما قد يتصور لكم، بل مسلحين بخبرة الماضي الذي كان حاضراً. صحيح أن المستقبل يحمل مفاجآتِ وانعطافاتٍ حادّةٍ لا نتكهّنها، ولكنه المستقبلَ من مخاض الحاضر، فهو ابنه، وكما يكتسب الابنُ معارفَ جديدة، إلا أن الابنَ جينيـّاً مرتبط بسلسلةٍ حيويةٍ مع الأب وأسلاف الأب. فلا نقلق من أن تغلبنا المفاجأةُ فسنكون معَدِّين بأسلحةٍ ابتدائيةٍ تعيننا لنبني أسلحة لمواجهة ما سيكون متخفياً وراء متاريس اللحظات الآتية. لن نكون تماما مسلوبي القوة، وعلينا أن نجمع قوة أشدّ بالعزم والشجاعة والأمل والإرادة والتجربة والمغامرة، وبالذكاءِ البشري وهو أقوى أسلحتنا. ولا ننسى الإيمان، فهو ليس سلاحا لكنه الترسانة نفسها، بحيث لا يكون للأسلحة معنى دون حمايتها وصيانتها وترتيب أدوارها.. قوةٌ نستمدها بإيمان بأن اللهَ لن يتركنا وحدنا، لتبرز شجاعة الروح، تلك الشجاعة التي تجعلك تقود بثقةٍ نحو ما يراه الآخرون جداراً صلِداً سيرتطمون به، وإذا هو بإيمانك سيكون بوابةً مفتوحةً للمضيِّ في الطريق.
 
والمهم: ما أريد أن أقوله، إن أعمقَ تخوفاتِنا من السقوط، نستطيع أن نجعلها بشجاعتِنا أعلى انعطافاتِنا للعُلُو!