مقتطفات الجمعة 268

سنة النشر : 03/08/2012 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلاً بكم في "مقتطفات الجمعة" رقم 268 .
 
حافز الجمعة: '' انتبه لأفكارك، فستتحول أفعالك. انتبه لكلماتك، فستتحول تصرفاتك. انتبه لتصرفاتك، ستكون عاداتك. انتبه لعاداتك، ستكون شخصيتك. انتبه لشخصيتك، ستكون.. مصيرك''. – ''لاو- تزي.''
 
في عالم التواصل المفتوح تتجلى حكمٌ قديمة، لطالما قرأت للفيلسوف ''لاو تزي'' وهو أبو الفلسفة الطاوية بالصين .. والجملة التي اخترتها كحافز لهذه الجمعة، ترجمها ''اوالدي'' شاعر اسكتلندي في شكل ترنيمة أو أهزوجة كانت مكتوبة على دفاتر كتابة توزعها أمريكية في مكتبة بحي بشركة أرامكو، وحفظناها صغارا.. ولم أتوقع أن كلماتٍ قيلت من أكثر من ألفي سنة ستظهر حاضرا وكأنها فكرة لتوها خرجت من مخبز الخواطر. عندما تطالع الكتابات في التويتر والفيس بوك تجد كلمات ''لاو- تزي'' بازغة الحضور. فكثير منا يكتب خواطره باللحظة ثم باللحظة تكون أفعالا، ولما تكون فعلا مكتوبا حاضرا سيكون من الصعب إعادتها فقد خرجت حتى لو ألغيت تغريدة أو جملة في التويتر والفيس بوك، ثم ستضطر إما للدفاع عنها أو تبريرها أو القيام بالاعتذار عنها وهنا يكون التصرف، ولأن التصرف سيتكرر بين أخذ ورد، وتبادل الرأي وربما الاتهام فسيكون هذا التصرف عادة، والعادات هي عناصر تكوين الشخصية. لذا من الحكمة أن يتريث الإنسان للفكرة قبل أن يكتبها أو ينطقها لأنها ستصبح فعلا مؤثرا.. الشخصية التي تدافع حمقا ومكابرة هي الفئة التي تصنع الخلاف في المكان ثم في المجتمع ولا تعجب إن قلت لك حتى تصنع الحروب.
 
إني أرى حروبا تشتعل بالذات في التويتر لأن أحدهم أو إحداهن طلع بتغريدة لم يراجع عواقبها فإذا الفكرة التي ظهرت فرديةً تصبح تكالُباً جماعياً على من قال التغريدة وربما انقسم حوله ناس، ثم انتقلت من برودة الموقع الافتراضي، إلى حرارة النقاشات الاجتماعية الواقعية في الدواوين والمجالس وفي الصحافة وفي المحطات، وإذا دم جديد يسيل من جرح في جدار صف المجتمع في وقت كنا نتمنى معالجة عشرات الجروح في الجدار. فرجاءً.. انتبه!
 
شخصيتا الأسبوع: برنامج ''تغريدة'' للشابين الرائعين ''أحمد فتح الدين'' و''فراس بقنه''، فكرة بسيطة جدا، ولكنها من نوع الأفكار الصغيرة التي تغير تغييرا محوريا كثيرا.. الأفكار الصغيرة كبرنامج تغريدة مثل سيارات صغيرة تتبع قطارا طويلا صلبا يمخر على سكة واحدة بين قضيبين لا يحيد عنهما.. تقرر إحدى السيارات الصغيرة أن تخالف الطريق المعتاد وتنفصل إلى طريق جديد.. مجرد سيارة صغيرة، ولكن بعد فترة تنجح السيارة الصغيرة، لأن الناس يحبون الخروج عن المعتاد خصوصا إن كان ممتعا ومفيدا، (قد) تنتهي الأمور بأن القطار الكبير تفضى عرباته لأن الركابَ قفزوا ركضا خلف السيارة الصغيرة. ''فراس بقنه'' عنده الملَكة التصورية لصناعة الفلم وأظنه سيصبح يوما منتجا ومخرجا وربما كاتب سيناريو كبعض المخرجين الكبار في هوليوود، وهو شاب في أول طريق وله لمسة سحرية واقعية في أفلامه وفي مواضيعها، وانظر لأحمد فتح الدين، شخصيةٌ تخالف قانون الجاذبية فهي عائمة مما حباها اللهُ من الذكاء الذي يحمل الروح ويلطفها ويرقق النفس فيكون المرحُ صنعةً تلقائية محببة، إني أنظر للشابين وأقول إن ربي منحهما هباتٍ تكاد أن تتكامل لتأدية كل منهما لدوره، ورغم التباين المظهري للشابين إلا أنهما امتزجا ليكونا طعما مبتكرا ولم يتحدا كيميائيا ليكونا عنصرا جديدا واحدا، وهنا الجمال. ترقبوا هذين الشابين.. وسيارتهما الصغيرة!
 
الحقيقة لا أدري ما أقول؟ لأني بالضبط لا أعلم.. هناك أشياء تفسرها، وهناك أشياء لا تفهم منطقها بالأصل كي يستطيع أن يستوعبها فصُّ الوعي بدماغك.. أن يقوم قادة فكر بإطلاق فكرة أو تغريدة ضاجة كطبل يصرخ في صمتٍ مطبق فيخلق موجات تخترق السمع وموجات فوق السمع أو تحته تدمر من حيث لا نعلم، فيخلقون صدعا عميقا يصعب ترميمه. قد يأتي من يقول إن النية والقصد صحيحان.. ولو فرضا الأمر بهذا الوضع، إلا أن هناك أوقاتاً مناسبةً لإطلاق الأفكار.. يعني أنت لا تعطي دواء نافعا لجسد لا يحتاج إليه في الوقت الحاضر، وسيسبب مضاعفاتٍ يصعب علاجها، أو وصف دواء يتعارض مع آخر وإن كان كلاهما صحيحا ولكن باجتماعهما تنتفي الصحة وتصبح معالمَ مرضٍ يفور. على من يعلموننا ألا يصدمونا، بل ينزلوا لمستوياتنا ثم يأخذونا لأماكنهم الأعلى برفق وبتدرج كي تدور الأفكار مع الدماء وتصبح من نسيج العقل والجسد.. بعضهم صار يطلق الأفكارَ رصاصة كي تجلب الانتباه بفرقعة وقوة.. والنتيجة أنها تمزق العقل والجسد.
 
والمهم: انتبه رجاءً للفكرةِ وهي في الرأسِ تدور!