مقتطفات الجمعة 253

سنة النشر : 23/03/2012 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلاً بكم في "مقتطفات الجمعة" رقم 253 .
 
حافز الجمعة: من يملك الصحةَ يملك القدرة على العملِ والأمل، من يملك القدرةَ على العمل والأمل يملك كلَّ شيء!
 
نخاف الأمراضَ تهاجم حياتنا، لذا نقول الصحةَ تاجٌ على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، ونقول من ملَكَ الصحة ملك كل شيء، ويقول "ابنُ سينا" الصحة شمس الحياة، و"الرازي" يقول إن العافية من متمّمات الحياة. وفي الآثار العالمية، المعلم الفيلسوف الصيني "ليو - تزو" وضَّح أن الصحةَ المُقتنى الأولُ في الحياة، و"فيرجل" الإغريقي صاحب القصيدة الملحمية "الإلياذة" يقول: "الصحة أعظم ثروة من كل ما ملكت أثينا وقرطاجة"، وكانت المدينتان أعظم المدن ثروةً بذاك الزمان. ألا تبدو النتيجةُ المنطقية أننا لو مسحنا الأمراضَ من حياتنا لطابت لنا الحياة؟
 
لكن.. لنفكر لبرهة، ماذا لو لم نتصوّر المرضَ بهذه الطريقة الانطباعية الأولية، وزدنا تعمّقا بالتأمل العلمي والتوازني لمقتضيات العيش؟ ماذا لو كانت الأمراضُ ليست تلك العدو الذي نخشاه أو نتصوره؟ ماذا لو كان المرضُ كالقوّةِ المضادة التي تقاومها قوةٌ أخرى فتكسبُ منها قوة إضافية بعد مواجهة؟ مناعة الجسم أو جيشه لا يستقوي ولا تتطور آليات دفاعه، واستراتيجيات هجومه إلا بالدخول بالمعارك الحربية، وهذا ما يتيحه المرض، لذا كان إنسان الإسكيمو بجسم خال من المناعة لأن لا بكتيريا تعيش في الجليد، ولو خرج لأجواء عادية لقتلته أقلُّ الأمراض شأنا. إن المرضَ من جهة أخرى قد يكون نعمة.. والمسلمُ يراه نعمة ورحمة لأنه المُطهِّرُ الدنيوي لأعمال العبد ليعود أكثر نقاءً أمام خالقه.
 
لنتصور المرضَ كالجاذبية الأرضية، حلمُ الإنسان أن يتحرر من الجاذبية ويطير.. هل الجاذبية معيقة للإنسان وتطور وجوده؟ من مآخذ الجاذبية كما نراه من تجربة أنها السببُ بشيخوخة البشر، فبقوتها الجاذبة يتهدل الجلدُ وتتجعّد البشرةُ مع مرور العمر، وتتهشّمُ العظام. وبدون جاذبية ستكون جلودُنا دوما مشدودة براقة لامعة، ويمكننا أن نطفو كأطياف النور.. جميلٌ، أليس كذلك؟ ولكن هذا توافر لروّاد الفضاء، عاشوا بجوٍّ خالٍ من الجاذبية، فماذا وجدَ الطبُّ؟ وجد أن عضلاتِ روّاد الفضاءِ كلما طالت إقامتهم في ظروف انعدام الجاذبية تدهورت، والعضلات البناء الذي يتساند عليه الهيكل الحي.. لا يمكن إذن أن ينمو الإنسانُ بلا جاذبية، فهي إذن صديقة. بطريقةٍ أحيائيةٍ ما يبدو أننا لا نعيش بدون المرض، ولا يكتمل اكتسابُ الصفات الوراثية بدونها.. فسبحانك يا رب.
 
كل أنواع الحياة على الأرض معرّضة للأمراض. الحيوانات والنبات تصاب بالأمراض، بالدود الذي يدخل أمعاءها أو بالبكتيريا التي تعمق وتلهب جروحها، أو تخنق ممراتها الهوائية، بالالتهابات الطفيلية التي تجعد أوراق النبات وتبهت ألوانها وتفسد قشورها، وببعض الفيروسات التي تخص النبات والحيوان دون سواهما.. حتى الآن. المرض ممتد ومنتشر، ليس عبثا ولا سخرية كما صورها "البير كامو"، بل من أسس وآلية واستكمال الحياة على الأرض، لقد بنى المرضُ وأثّر في مناعة المخلوقات وتكوين أعضائها منذ ملايين السنين. حتى ذوات الخليّة الواحدة تمرض، بل البكتيريا مسببة المرض تمرض بفيروسات مصممة بإعجاز الخلق الرباني لإمراضها دون سواها. أظنُّ، وحسب منطوق العلم الأحيائي، لا وجود لنا بدون المرض!
 
كتاب الجمعة: "هناء لقمان يونس"، ابنة أديبنا الكبير لقمان يونس - يرحمه الله - شاء لها اللهُ أن تكون من الناجيات من سرطان الثدي. بكتابها "الحياة الجديدة"، تقدم تجربتها لأخواتها عن أكثر الأورام شيوعا كما أوضح الدكتور "عامر رضوي" الذي قدّم للكتاب. وتقول الدكتورة "منى محمد علي باسليم" بما كتبت لتقديم الكتاب: "ستتمكن القارئة - بإذن الله - من الحصول على الفائدة المطلوبة التي تعينها ومن حولها"، وكتبت السيدة هناء: "الدعم المعنوي والنصائح القلبية والتعليقات المرحة التي أحاطت بي كانت أسبابا مادية للعلاج"، وتقول شيئا رائعا: "العلاج الكيماوي والإشعاعي يدمر الخلايا السليمة مع الخلايا السرطانية، في حين أن العلاج المعنوي، بنى بنفسي ما هدمه المرض بالثقة والطمأنينة". وبالكتاب حوادث وقصص وتعليقات ممتعة وذكية من المؤلفة، ولن أفسد عليكم متعة قراءة كتاب مهم. لم أقرأ شيئا بالعربية يحمل كل هذا العمق المعرفي والطبيعة التفاؤلية كما بالكتاب. تواصلن مع هناء على: beat_cancer@hotmail.com 
 
والمهم: "إلى كلِّ امرأةٍ أصيبتْ أو تخشى أن تُصاب بسرطان الثدي.. أقول: لا تخافي ولا تجزعي.. ربّنا كبير". هناء لقمان يونس.
 
في أمان الله..