مقتطفات الجمعة 246

سنة النشر : 03/02/2012 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 246 .
 
حافزُ الجمعة: سُئل العقادُ: "ما أجمل يوم في حياتك"، فقال: "اليومُ الذي كادت أن تُحْشـَى جيوبي بالمال، ويُفـْرَغُ ضميري من الكرامة، فآثرت فيه فراغَ اليديْن على فراغ الضمير".
 
شخصية الأسبوع: نورة، فتاة في بواكير العمر، بارعة الذكاء، جميلة الحضور النفسي والذهني عرفتها مما كتبته عن نفسها في حسابها بموقع التوتر: "أنا مريضة بمرض الرحمة، بورم بالدماغ، إن لم تجدوني هنا، فادعوا لي". كانت نورة الشابة الصغيرة هي التي تعلمني معنى الصبر السعيد، ودواعي الإيمان لما يكون سلـَّماً من نور نصعد به بالثقة الإيمانية والاعتقاد اليقيني الذي لا يساوم بأننا سنجد في نهايته مكانا أروع وأبقى.. كنت أتواصل مع نورة، بل هي التي تتواصل معي، وتسألني: "أينك يا أبي؟ كيف صحتك؟" إن مجرد سؤالها عن أحوالي وهي تعاني ورَما متوحشا يأكل دماغَها الجميل، والذي بقي لآخر لحظة جميلا، لم يكن له رتابة السؤال العادي بل قرْع طبول الجبال فيهتز القلبُ يريد أن يخرج ليُجيب.
 
"نورة" أحبها الجميعُ وكشفتْ عن وجهٍ جميل للمحبة الشبابية. جاءتني اتصالاتٌ وكتاباتٌ بأن فتياتٍ وفتياناً كانوا يتواصلون معها، ولما فقدناها أحسوا كلهم بمرارة الفقد، على أن "نورة" لم تكن لتتركنا وحدنا مع الحزن، كتبتْ لي: "أعطني وعداً ثم سأطلب منك شيئا؟" وقلت لها: "كُلُّ ما تريدين مُلـَبـَّى". ردتْ: "عدني، لا تحزن عليّ". وبالفعل أرسلتْ أشجعَ رسالةٍ قرأتها بكل حياتي بعد رسالة الحبيب الصغير "ناجي الأحمد"، يرحمه الله، تقول: "لقد خرجتُ من العملية الكبيرة وفكوا رأسي، وفشلت العملية. أبشر، قرُبَ إطفاء شوقي العظيم لربي، أنا سعيدة جداً.. شيءٌ واحد أتمناه من ربي: أن يصبّر أمي!".
 
السيدة الكريمة عفاف الجاسم من الكويت عاملة اجتماعية وإنسانية، قرأتْ عن نورة، وتواصلت معها، وكانت ترسل لي أخبارها.. بقيـَتْ معها حتى تسلم ربُّها أمانته.. يكلمني الشابُ مصعب عبد الواحد العمودي من جامعة الملك فهد بالظهران ذو 18 ربيعا، ويقول بصوت متلهف: كنت مع نورة من البداية حتى العملية الأخيرة التي سلمتْ بها روحَها لخالقها، وأصررت أن أهاتفها قبل دخولها غرفة العمليات للعملية الأخيرة التي ودعتنا بعدها، لأني رأيت حلما ورغبت بكل جوارحي أن أخبرها به، رأيتها سعيدة ومنشرحة بعد أن ذهبتُ من أجلها ودعوتُ لها في الحرم المكي.
 
أخبرتها بأني سعيد جدا وأعلم ــ بإذن الله ـــ أنك من الآن ستكونين سعيدة.. فردّتْ عليه: "وأريدك أن تكون يا مصعب سعيدا، أكرمَني ربي منذ خُلِقْتُ إلى أن يعيدني إليه". وصديقتُها وقريبتها "تالا" تقول كنا نحن الأصحاء إذا أردنا السعادة والخروج من الضيق تحدثنا معها، وتقول إن الطاقمَ الطبي في المستشفى بكوا لوفاتها لِمـَا أشاعته من البهجة في القسم. اللهم صبِّرْ قلبـَي أمِّها وأبيها، وكل من أحبها وعرف عنها.. اللهم اشفِ مرضانا وارحمْ أمواتَنا.
 
ما حصل في "بورسعيد" المصرية لا يمكن أن يُصدّق، المدينة الباسلة التي قاوم أهلـُها العدوانَ الثلاثي "الإسرائيلي ـــ البريطاني ـــ الفرنسي" في حرب 1956، والمصريون المسالمون على العموم، يقومون بمذبحة بينهم تُزهَق فيها أرواحُ أكثر من 80 من الفتيان النظارة في مباراة بين الناديين الشقيقين الأهلي القاهري والمصري البورسعيدي؟! من يعبث بمصر؟ وإنه عبثٌ هائلٌ عظيم؟ مصر التي أهدتْ للعالم العربي برمّته كبارَ أهل الفكر والعلم وبناة المدنية تحدث بها مذابح هولاكوية، و.. منهم؟! أين زهرات الثورة، شباب 25 يناير الذين عطـَّروا كل أجواء الدنيا بأزكى ثورةٍ عالمية في ميدان التحرير؟ من أزاح تلك الروح؟ من أخفى أولئك الطلائع، أصحابُ الثورة الحقيقيون؟ منذ تم إخفاؤهم وقُفـِزَ على ظهر الثورة.. بدأت تظلم مصر. اللهم أنرْ البلدَ المبارك مصر، فإنارته من إنارتنا جميعا.
 
والمهم: "جميلٌ ذلك اليومُ الذي وقفتُ به بين الخوف من عواقب الخروج على زمرة الأقوياء القابضين على أزمة الأمر والنهي في البلد، وبين الرضا بمساوئهم وأباطيلهم وغنائم رضاي ورضاهم، فجمعتُ بين جرأة المجترئ وحكمة الحكيم وبين تضحية المجازفة وثواب الحزم والرويّة". عباس محمود العقاد
 
في أمان الله..