مقتطفات الجمعة 244

سنة النشر : 20/01/2012 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 244 .
 
قولُ الجمعة: ناسٌ نسميهم "راصفو الطرق"، هم بناة الحضارة الحقيقيون؛ لأنهم يمهدون لمن بعدهم ليتابعوا الرحلة الحضارية للتعمير والتطوير.. ناسٌ قد لا نعرفهم، ناسٌ لم يستفيدوا من خدمات الطريق ليستفيد منه كل من يأتي بعدهم. ولا أرى الجيلَ الشاب الجديد العربي إلا من راصفي الطرق.. إن لم يكونوا، فستلومهم الأجيالُ التي ستأتي بعدهم، كما هم لاموا الأجيالَ التي قبلهم!
 
زرتُ مع أخي الدكتور نواف الفغم أباه الشيخ بداح عبد الله هايف الفغم - رفع الله عنه - الرجلُ الذي خدم الدولة مع أرفع من بها لعقود، بلا سعي لشهرة وبلا ضجّة ظهور، ومع احترامي لهذا النوع من الرجال، إلا أنك عندما تقترب منهم وترى مهابة حضورهم مغلفة ببساطتهم، تتعجب كيف يكون التواضعُ أكبر راصفِ طريقٍ للسموّ.
 
كما زرنا صديقي العريق الدكتور عبد العزيز خوجة، الرجلُ المضيء من الداخل ويشعّ من بشرته بالخارج، رصف بقلبه، قبل الجفاف الدبلوماسي، علاقاتنا بروسيا وتركيا والمغرب ولبنان.. وكان له أن يتابع الرصف. كانت الوزارةُ عذولا بينه وبيني، وتباعدنا زمنا لا قلبا. أقول له: "أنا صديقٌ ينتظرك بعد الوزارة" وهو يصر بعد شفائه، بإذن المولى، أن أطّلع على إنجازه بالوزارة التي لم أتشجّع له بها يوما. لكم أتمنى أن يكون رصَفَ بجبـّلته الطبيعية الوزارة لمن بعده.. سنرى. كانت زيارةً عاطفيةً، طلب أن أقرأ له قصيدته "جدْب".. وكنت أعرف أنها ستؤلمني من عنوانها.. ولم يخبْ ظني!
 
احتفل الملاكمُ المسلمُ العظيم "محمد علي كلاي" بعيد ميلاده السبعين، وكل أمريكا احتفلت معه. "محمد علي" لم يكن مجرد رياضي أسطوري، بل كان راصفا حقيقيا لحرية السود بأمريكا، وحرية اختيار الدين، وحرية مقاومة الحكومة الأمريكية بحربها الموحلة بفيتنام، هذا الذي جعل كلينتون فصيح أمريكا الأول يقول: "محمد على كلاي هو الذي رصفَ الطريق ليصل شخصٌ مثل "أوباما" لسدة الرئاسة الأمريكية. ولم يكن إذن غريبا أن يكون "أوباما" أول مهنئي محمد علي في عيد ميلاده.
 
كتابُ الجمعة: "لغزٌ مع الحياة Riddle with Life" للبروفسور مارلين زوك التي تدرّس علمَ الأحياء بجامعة كاليفورنيا، كتابٌ يقرأه المتخصصون فيعلمون أكثر، ويقرأه العاميّون أمثالي ويعرفون بالطبع أكثر ويتعجبون، ويضحكون. كتابها يقول إن التوافق بيننا وبين البكتريا والجراثيم والطفيليات (أي المرض) رصف الطريق للنمو الإحيائي وبالذات المناعي عند الإنسان، وتقول إنها حرب إيجابية بيننا و"بينهم" جعلت العقول البشرية تعمل لاختراعات واكتشافات تعرّف فيها الإنسان على خريطته الحية وابتكر علوما كيميائية وفيزيائية وبيولوجية وتشريحية جديدة جعلته يقفز بوجوده على الأرض ليحكمها. حربٌ أعداؤنا المتناهي الصِغَر هم شركاؤنا بها، وهم أيضا أصدقاؤنا!
 
من طرائف الدكتورة زوك في كتابها "لغز مع الحياة" أنها تقول إن هناك معركة، بل أكبر حرب قائمة من القدم ولن تنتهي مع الإحيائيات الصغيرة، فتقول: ليس عجيبا إذن المصادفة - طبعا لا تنطبق بالعربية، بل بالإنجليزية - بأن "الجراح العام" و"القائد العام" في الجيش كلاهما يحمل لقب "سرجنت جنرال!" وتقول إن أصدق ما يمثل فحوى كتابها المثل العربي، وأنقله ترجمةً فلم أقع على الأصل: "كل من يمرض يملك أملا، ومن يملك أملا يملك سرَّ الحياة".
 
هناك تخوفٌ واضح من موجة النجاح للأحزاب الإسلامية بالبلاد العربية نفسها قبل الغرب. "فريد زكريا" من أيقونات التحليل السياسي الاستراتيجي بأمريكا يكتب في مقاله الأسبوعي بالتايم: "التخوفُ ليس من الأحزاب الإسلامية فهي سترصف طريقا حقيقيا للديمقراطية، رأينا من نهجهم الحزبي أنهم يحترمون حق الأقليات، والحريات الشخصية والقوانين المبرمة مع العالم، الخوفٌ ليس منهم، ولكن من السلطات الأحادية والدكتاتوريات في العالم العربي". درسٌ متى تتعلمه أمريكا.. وغير أمريكا!
 
محمد علي كلاي بارع بالرشقات الكلامية كبراعته بالرقصات اللاسعة في الملاكمة، مرّة قال عن نفسه: "أنا أسرع ملاكم على الأرض، أطفئ النورَ في غرفتي وأصل كالبرق لسريري قبل أن يعمّ الظلام!".
 
والمهم: من قصيدة صديقنا عبد العزيز خوجة "جدْب":
 
سأهْمي مع الأمطارِ في كل قطرةٍ ** وأرحَلُ حُـرّاً لا عليَّ ولا لِيَـا
 
في أمان الله..