مقتطفات الجمعة 229

سنة النشر : 16/09/2011 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 229 .
 
حافزُ الجمعة: رسالة: ''أنا شابٌ عمري ثمانية وعشرون سنة، توفّي والدَي وأنا في الثامنة عشرة، ومنذ ذلك الحين إلى هذا الوقت وأنا أعمل في ثلاث وظائف يومياً بلا انقطاع من أجل الإشراف على أشقائي الثلاثة الأصغر مني، والحرص على أن ينهوا جميعا دراساتهم الجامعية.. وأبشرّك: الصغيرُ تخرج!''
 
تعودتُ منذ صغري عندما يكون عقلي غليظا مثل بركة الطين، وأن لديّ صخورا متراكبة في صدري، أجلس فورا للكتابة. أستلّ دفتري الصغيرَ الذي لا يفارقني، وقلمي الذي لا أتوازن وأنا أسير بدونه، وأبدأ بالكتابة.. أكتب عادة بلا توقف عن شعوري في اللحظة، أسجلها كما يسجل الرسامُ منظرا أمامه بلا تغيير، ثم أتصور أني شخصٌ آخر أتاني للاستشارة عن حالته، فتنتقل الكتابة إلى ما يجب أن أفعله لهذا الشخص، وأحاول أن ألطف عليه المشاعر وكآبة ما يعتمل بداخله بأجمل ما بمقدرتي من الكلمات، وصناعة جُمَل الفرح والأمل والإشراق، وأركز على أن كل ما يحدث إنما هو إيجابي بالنتيجة النهائية، سيبني في دواخلنا تجربة مثل سلاح جديد نضيفه إلى ترسانتنا الدفاعية لمواجهة مصاعب الحياة وتقلبات الظروف. كأني صديقٌ لنفسي أقنعني بأني يجب أن أصعد من المزالق المظلمة، وأن لا خيار لي سوى الخروج.. وقتها كنت وحيداً بلا أصدقاء حقيقيين، وكي لا أشعر بالوحدة صادقتُ نفسي.. وأبحرتُ بسلام. وفي الرحلةِ امتلأ مركبي بالأصدقاء!
 
زرت بدعوةٍ من صديقي الدكتور خالد اليحيا، وهو مثقف يحمل الدكتوراه بالفيزياء، مكتبه بالظهران، لنتحدث حول ''مشروع الملك عبد العزيز العالمي للثقافة (إثراء)'' الذي تقيمه وتشرف عليه شركة أرامكو، والدكتور خالد التحق قريبا بالشركة ليتسلم الجزء الخاص بالثقافة والمعرفة في المشروع الذي يشرف عليه مثقفٌ أرامكوي كبير هو صديقنا الآخر المتميز والمفوَه ''فؤاد الذرمان''. ليس المشروع ما يبهر فقط، فما زال تحت التأسيس والبناء، ولكن المبهر تلك الاستعدادات الكبرى له، إن أرامكو - كما رأيت من كثب - جنّبت ثروة كبيرة من أجل إقامة صرح معرفي وثقافي وتعليمي سيكون علامة بارزة في كل العالم العربي، والخطط تُدرس وتُعاد وتقيَّم كل يوم بل كل لحظة، وفي البناء المؤقت البالغ الترتيب والانسياب المخصص لموظفي المشروع، تشعر أن المكانَ كله منْسَكٌ تتجاولُ فيه كبريات الأفكار.
 
سيكون بالمشروع مكتبة عصرية من روح القرن الحادي والعشرين الرقمي، ومعارض كبرى، وقاعات عمل ومحاضرات، ومراكز إنتاج فكري.. إن البناءَ الباذخ قامت بتصميمه أكبر دار هندسية في أوروبا، وهو مَهيب الإطلالة بشكله الجرانيتي الصخري المتساند، ويمتد برسالة رومانسية تاريخية في القاع إلى موقع البئر رقم 7، وهي بئر الخير التي تدفق منها النفط بكميات تبشر بثراءٍ قادم.. إن المشروعَ قد يكون أكبر المشاريع المعرفية الحضارية في العالم العربي، بشرط واحد: أن لا تكون الفخامة في البناء والمظهر الفاره تغطي على ما يجب أن يدور في الداخل من مناشط المعرفة..
 
لقد كتبت ما سبق عن مشروع ''إثراء'' من قلبٍ مجبولٍ بعاطفةِ اللحظة وبانبهارٍ لا يخفى.. على أني يجب أن أضع في قلبي خوفا مترقباً.. فكثيرا ما نقول الأكبر والأكثر والأفضل، ثم ننكص خاسرين. أمامي الآن تصريح في مجلة كويتية قديمة يحمل فيها أحمد مطر - رحمه الله - شهادة دولية، ويصرح بأن الخطوط السعودية هي الأفضل في العالم العربي والشرق الأوسط.. وكانت كذلك في تلك الأيام. في بداية الأشياء والحماسة والمقدرة المالية من الممكن أن تفعل ما يبهر.. وإنما المحكُّ هو البقاء متفوقا، أن تكون البداية نقطة الصعود.. لا موقع الهبوط. إن ''إثراء'' مشروعٌ سيغير دراماتيكيا موقعنا المعرفي في العالم العربي وفي القارة متى أثبتتْ هذه البداية المبهرة أنها نقطة انطلاقٍ للأعلى.. وأن يكون ذلك واقعا بعد مرور عقود.
 
سؤالُ اليوم: هل تعتقد أن الثورات التي تسمى بالربيع العربي ستنتهي بفاصلٍ طويل من التقدم السياسي والمدني وألا يحدث وقوع أكبر في الفوضى، أرجو أن تجاوبني علنا؟ - سيف المرّي. يا حبيبنا سيف أجيب دوماً علنا.. قامت ثورات الربيع العربي بشعار واحد وهو أن ''الشعبَ يريد''، وفي رأيي أن هذه الجملة هي الفعل المخنوق أمَداً في العالم العربي، مجرد أن تصرخ الشعوب بأن لها ليس فقط كلمة، بل فعل، وأن هذا الفعل يهدر في عنان السماء، فهو انتصار لم يلاحظه الكثيرون، فكثيرا ما تعمى أبصارُنا عما هو ملتصق بأبصارنا.. وإن ''بعض'' الشعوب العربية فإنها مثل حال من لا يملك شيئا فلا يفقد شيئا، فإن التعبير والتغيير وقهر من قهره هو له إنجاز. ولكن.. للثورات تمخضّات ستستمر حتى تهدأ الأرض، تماما كآلية البراكين؛ ألا ترى الصهدَ الحِمَمي يحرق الأرضَ لأميال، وبعد أزمان تصبح غطاءً لأكثر الأراضي الزراعية خصوبة؟ سيأتي حريقٌ بعد الثورات، الحريقُ الذي يطهّر الأرضَ قبل الفلاحة.. على أن تنجو الثورات من أكبر مصيدةٍ تاريخية: عندما تكون الثورة كالقطة.. تأكلُ أبناءها!
 
والمهم: لا تيأسوا فاللهُ منجزٌ وعدَه قد آن للظلماءِ أن تتكشَّفـا
 
في أمان الله..