مقتطفات الجمعة 223
سنة النشر : 10/06/2011
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 223 .
وصلتني رسائلٌ حول اقتراحاتٍ للمقتطفات رقم 400. وحيث إن مواضيعَ تلك الرسائل متعددة، اخترت أكثرها اتفاقاً، وكانت بمعنى: ''خصِّصْ المقتطفات رقم 400 لإجابة أسئلة القراء''، وكلٌ منهم وضع سؤالاً أو أكثر!
ووجدتُ ذلك جيداً ومفيداً وعامّاً، ويبعدنا عن المعلوماتِ اللحظية والظرفية، ويفتح لنا أفقَ المعرفةِ الإنسانية لنحلق باتساعاته بأفكارنا وخيالنا. في هذه المرة - وبدافعٍ مؤقتٍ فقط - أشرتُ لمراجع يرجع لها السائلون تشجيعاً على البحث، خصوصا أني لاحظتُ أن معظم السائلين يسألون في تخصصاتٍ أو بحوثٍ دراسيةٍ جامعية. واخترتُ الأسئلة حسب تاريخ ورودها، وليعذرني الباقون.
من نائلة - الجامعة اللبنانية: ''هل تحب الكلابَ؟ طلب مني بروفسور الأدب شيئا عن قصص العباقرة مع الكلاب، فهل تسعفُ مُحِبـَّةً للكلاب؟- سأترك مسألة المحبّة جانبا الآن. هناك قصصٌ مسجلة تدل على مدى وفاء الكلب لصاحبه. ''بروس ستيوارت'' كاتبٌ ليس شهيرا جدا في الوسط الأمريكي، وتخصص في قصص بطولات الكلاب، وساهم بأسطورة التلفزيون الكلبة الشهيرة ''لاسي''، استقل سيارته ولحقه كلبُه حتى منعطف الطريق السريع، وبقي الكلبُ هناك، ثم حصلتْ للرجل جلطة ومات. بقي الكلبُ ينتظر، وصار مشهدا يوميا للناس. بعد أشهرٍ أُحضِرَ جثمانُهُ ودُفن بمقبرة بلدته. فقد الناسُ الكلبَ .. ثم وجدوه جثةً هامدةً بجانب قبر صاحبه. وكان النحاتُ والرسام الأشهر ''مايكل أنجلو''، يرسم مشاهد القيامة الإنجيلية بقبّةِ كنيسة السلستيان يرافقه كلبُه ولا يعود إلا معه.
كان ''مايكل أنجلو'' معلقا في شاهقٍ ليرسم، والغريبُ أن الكلبَ لم يكن ينزل رأسه لساعات حتى ينزل صاحبه. من أعظم الموسيقيين ''شوبان''، وكان صديقا مقربا للكاتبة الفرنسية ''جورج ساند''، وعد أن يهدي سيمفونيته الخالدة (Minute Waltz) لأنثى يحبها، وراح الناس يتساءلون عن البنتِ المحظوظة، وقدَّر كثيرون أنه سيهديها لصديقته ''ساند'' وهي كانت جازمة أنها المعنيّة. لمّا انتهت السيمفونية أهداها.. لكلبتها! و''نابليون'' لما نُفِيَ لـ ''سانت هيلانا'' قفز إلى عربته كلبُه الصغيرُ ''لوريل''.. وبقي منفيّاً معه. و''مارك تواين'' يقول: ''الفرق بين الإنسان والكلب، أن الكلبَ لا يعض اليد التي أحسنت إليه!''. يكفي؟!
ومن رعد الزبيدي- الدين المقارن - ج كولومبيا: كيف بدأت القاديانية؟- سبق أن كتبت هنا عنها، وأرجو أن تقرأ كتابا وضعه ''ليفون شتراوس'' الهولندي عن القاديانية.. رهيب. المهم، أن البنجاب - من ولايات الهند الشمالية معظمها مسلمون- كانت أكبر مجال للقلق الفكري الديني في القرن 19م، ضعفتْ العقيدةُ والعلمُ الشرعي، وكان بالبنجاب حكم استعماري نيابي، مزيجٌ من الحكمين العسكري والعُرفي معا (يسمى حكم السكة) لثمانين عاما تزلزلت فيه العقائدُ وضعفت الحمية الدينية، وفُقِدَتْ الثقافةُ الإسلاميةُ الصحيحة، واضطربتْ العقولُ اضطراباً عظيماً، وركـِّزْ يا رعد أن وضعا بحكم كهذا يمهّد للثورات والانسحاب نحو الدعوات المتطرفة.. فشاع الانحرافُ الفكري، وظهر الميرزا ''غلام أحمد القادياني'' من سلالةٍ مغوليةٍ بأواخر القرن التاسع عشر بدعوته، ودعمته الحكومة الجائرة ليكون زعيما روحيا يفرش لها القبولَ بين الناس. والميرزا نسب نفسه للـ''برلاس'' من السلالة الفارسية كي يرتكزَ على الحديث'' لو كان الإيمانُ بالثُريّا لنالـَهُ رجلٌ من فارس''.
وأمرٌ طريفٌ - والعهدة على الراوي شيخنا أبو الحسن الندوي - أنه لوحظ على الميرزا غلام بساطة وغرارة، أي ''سذاجة''، وقلة فطنة.. لدرجة أنه كان يضع علامة على حذائه ليعرف الفردة اليمنى من اليسرى!
من فهد الرشد (بالإنجليزية)- ج الأمير محمد بن فهد: ''ما هي المدرسة الاقتصادية الأفضل وما هي التي تفضلها أنت؟'' عظيم! الأفضلُ عقليا لي هي المدرسة الاقتصادية الرياضية، وأشاعت مفهومَ التحليل الحَدّي ''Marginalism'' وظهرت في أواخر القرن التاسع عشر في إدخال أساليب رياضية للدراسة الاقتصادية. وأنصح بقراءة كتاب لوليم جيفونز ''William Jevons'' والفرنسي ''كوينو''، وأحدثت هذه المدرسة ثورة بالفكر الاقتصادي توازي ما أحدثه إسحق نيوتن في ثورة الفكر الرياضي. وأما التي تناسب ميولي فهي المدرسة الشخصية التي تتحدث عن إنسان اقتصادي رشيد هو الإنسان الاقتصادي أو ''Homo-Economicus'' بماذا يذكرك الاسمُ يا فهد؟
ومن منى أبو راغب: ''بصفتك مهتما بالأنثروبلوجي كيف يكون البشرُ مجتمعاتٍ تنظيمية؟ - التنظيمُ الاجتماعي يبنيه عاملان: الانسجامُ والاتساقُ والتكامل، والثاني: عواملُ التناقض واللامساواة والحركة والصراع والتغيير. عندما يأتي حكمٌ عادلٌ يشتدّ العاملُ الأول، ومتى جاء حكمٌ يميل إلى تناقض أو مجموعة أو فكر تكون السيادة للعامل الثاني. (انظري رالف داهرندورف - ''الطبقة والصراع في المجتمع''، أرجو أن تكون له ترجمة عربية).
وأخيراً: كنتُ أقرأ كتاباً عن تاريخ الفلسفة العلمية والمنطقية، وأعاودُ قراءة شعرٍ جميلٍ وردني من معلمنا الدكتور ''سعد عطية الغامدي''، حين سمعت عن بعد ''رنّة جوال'' غنائية فلسفية جعلتني من ''روعتها'' أشعر بالشفقة على مؤلف الكتاب، وعلى ''من كنت أعتقد'' أنه الأروع صاحبنا الدكتور سعد .. اقرءوا ''الرنّة''، واحكموا أنتم: ما قدرش أقول آه، ما قدرش أقول لأ يمكن أقول آه .. غــــيـــري يقول: لأ! يا ولد!