سجن الجسد لا يسجن الطموح

سنة النشر : 16/11/2004 الصحيفة : اليوم

 
الدكتور ـ ناصح الرشيد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
دون سابق معرفة اكتب اليك لانني شعرت بأنني اعرفك منذ زمن طويل فنبتة الخير رغم قلتها تظل تثمر، وعندما تثمر ينال ثمارها الضعفاء والمغلوبون المظلومون وحتى القادرين احيانا وكذلك الشرفاء تيقنت من هذه النبتة عندما قرأت فحوى رسالتك عبر (اليوم) وايقنت ان عملا كهذا و رؤية كهذه لابد ان نقف بجانبها لا بمشاكلنا فقط ولكن بتجاربنا وبكل ما نملك.
 
كتبت لك بعض هذه الاوراق التي كنت ازمع على ارسالها لشخص احببته، وهو ايضا لم التق به قبل ولكن قرأت كتبه خاصة كتابه (حياة في الادارة) الذي كشف جوانب مخيفة عن شخصيته وتجربته المريرة وصراعه من اجل التغيير وطموحه نحو المستقبل وهو ما هون علي الاوقات التي قضيتها بين الجدران المغلقة هذا الشخص هو الدكتور غازي القصيبي.
 
اخي الدكتور ناصح
 
احسست بانني في امس الحاجة لمراسلتك للاستفادة من ارشاداتك وتوجيهاتك لعلك تتساءل لماذا دخلت السجن واقول لك كان ذلك بسبب قضية مالية اخذت من حياتي اربع سنوات سأسرد لك بعضها باختصار.
 
انا رجل من مواليد الاحساء عام 1382هـ/ 1962م من عائلة معروفة بتجارة الذهب بدأت حياتي معهم في هذه التجارة ونجحت مع شركاء لي نجاحا كبيرا دفعني للتوسع في التجارة فدخلت مجال القطنيات والجلود وافتتحت مكتبا لي في مدينة الدمام لادارة اعمالي تفوق عملي في مدة قصيرة وخلال ثلاث سنوات كان لنا ثمانية فروع وثلاثة مستودعات خاصة انني دخلت في مجال الاستيراد والصناعة فقد افتتحت مصنعا لتصنيع الحلويات وغيرها.
 
وبدأت ايضا بالدخول في تجارة المواشي من ايران بتوسع الى ان صدر قرار وزارة الزراعة بمنع دخول المواشي الايرانية وكانت على للتجار تعهدات اضطررت للتقيد بها مما اضطرني الى الاستعانة باقتراض مبلغ مليون وستمائة الف ريال من احد الاخوان كي اغطى احتياجات السوق، وتوسعت تجارتي ثانية بالدخول في مجال استيراد الفواكه كوكيل لمجموعة من المنتجين اللبنانيين وذهبت الى روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وصرت اصدر لهم بضائع من روسيا وغيرها.
 
كنت اسافر كثيرا متحملا المعاناة وشده البرودة والبعد عن اسرتي، كل هذه الجهود والمغامرات بجهدي الذاتي ليصل حجم عملي الى الملايين وحجم علاقتي اصبح كبيرا وعبر هذه العلاقات تعرفت بمجموعات من الناس لا داعي لذكر اسمائهم من جنسيات مختلفة لبنانية وبريطانية.
 
المهم انهم اقنعوني بانشاء شركة والدخول مع ارامكو وبالفعل قمت بتنفيذ كل شيء وتفرغت لهذه الشركة واوكلت اعمالي السابقة الى بعض اخواني وقادني العمل في مجال البترول الى مجموعة من رجال الاعمال الكويتيين وطرحوا علي افكارا معقولة تخدم بلادنا في مجال تسويق النفط ومشتقاته.
 
بدأت مهمتي في المتابعة حيث اقترح انشاء مكتب في مدينة (الخبر) لادارة العمل واستخراج سجل وابرام عقود المشاركة قانونيا وقمت بنفسي بتولي كل ذلك حتى اوشكت الشركة الجديدة على ان ترى النور وتكبدت خسائر التأسيس والمتابعة لوجود عوائق روتينية كثيرة دفعتني الى التريث واثناء ذلك اكتشفت ان تحويلاتي التي كنت ارسلها عبر اطراف ايرانية في دبي والكويت لم تحول الى ايران ولم يستلم التجار هناك هذه المبالغ.
 
من هنا بدأ الاختلال في ميزان تجارتي وتراكمت الخسائر والمصائب واحاطني ظلام الحقيقة والالتزام أمام شركائي الذين تحولوا الى خصوم حاولت البحث عن الفرص وحاولت ثانية عبر مشروع للاسكان في لبنان بتمويل من رجل اعمال عربي في امريكا واسسنا لذلك شركة دخل معنا فيها شركاء كويتيون وظللت اتابع سير العمل للخروج الى الوجود كل ذلك تطلب مني عاما كاملا لم ار فيه اولادي حرصا على تعجيل العمل كي اتمكن من ارجاع حقوق الناس والشيكات التي تعهدت بها.
 
واثناء وجودي في الاحساء لتجهيز بعض الاوراق جاء احد شركائي بأمر حضور ومعه الشرطة وبدأت رحلة السجن بعد دخولي السجن رأيت الزمان يدير ظهره لي ويرميني بصروفه وهوانه اصبحت معزولا عن العالم الخارجي وتحولت الى جثة هامدة ولكن ارادة الحياة والالم دفعاني الى محاولة الوقوف ثانية فسجن الجسد لا يسجن العقل وبدأت التعرف داخل السجن على رجال مخلصين ونبلاء وقفوا بجانبي وسهلوا لي سبل الاتصال بالعالم الخارجي وعلمت ان كل ما صنعته قبل دخول السجن ذهب ادراج الرياح واصبح هباء منثورا ولم استطع متابعة كل الامور.
 
وحاولت ومازلت اطالب بمهلة لمتابعة اعمالي لكن للاسف لم يستجب لي احد مضى عامان ونصف العام وكان باستطاعتي تحويل معاملتي الى الاعسار الذي لن يكلفني شيئا ولكن اصراري حال بيني وبين ذلك وحاولت الاتصال بشركائي واللقاء في الحقوق المدنية لعمل تسوية ومنحي مهلة سنة تبدأ بعد ستة اشهر من اثبات حسن النية وقبل ثلاثة ذلك عدا واحد اصر على موقفه.
 
المهم يا اخي الكريم انني رفضت صك الاعسار الذي يخلصني من كل ذلك ولكنه يخرجني من ثياب الرجولة وهذا ما رفضته المهم انني استطعت الخروج من السجن وهأنا ابدأ حياتي ثانية والحمد لله اسير الى حد كبير في سبيل تسديد ديوني وكل ما اطلبه بعد هذه الرحلة الطويلة المختزلة جدا والمليئة بالاماكن والشخصيات والتفريعات التي لم اذكرها اطالب بأن يفرج عن جواز سفري لاتمكن من متابعة اعمالي ومستحقاتي في الخارج.
 
وهأنا الآن اكتب اليك واطلب منك زيارتي لترى بنفسك وترفع صوتي انا الذي وفي هذه المحنة الشديدة استطعت وبعون الله انقاذ حياة اشخاص (حكيت لك القصة بالهاتف) فهل يساعدني المسؤولون في انقاذ اعمالي واكون لهم من الشاكرين والممتنين خاصة بعد اثبات حسن النوايا وما قمت به بعد خروجي من السجن.
 
دمت لنا
 
علي
 
نعدك خيرا اخي الكريم،، رب محنة تصقل صاحبها وتمنحه الرؤية الثاقبة لكي يرى ما مضى ويكشف ما هو آت بعقله وفكره لكي يبدأ من جديد مغتسلا من آلام واحزان الماضي والمحن تكشف معدن الرجال ولقد اثبت برفضك صك الاعسار واصرارك على اعطاء الآخرين حقوقهم انك اهل للثقة ومتابعتي لك خلال الفترة الماضية بعد وصول رسالتك ومعايشتي لتجربتك والوقوف على اعمالك ومحاولة المساعدة البسيطة لبعض الامور اكدت لي ثقتي بقدرتك على الوقوف من جديد بصياغة فكرية وعملية جديدة استفادت من المحنة.
 
وهذه هي الرجولة الحقة ورجل في معدنك يستحق الوقوف بجانبه وهذا ما سنقوم به باذن الله واعدك خيرا فولاة الامر والمسؤولون في بلادنا وفي هذه المنطقة يدركون تماما ابعاد ما يصل اليهم من اصوات المواطنين وهم كما نرجو يقرأون ويطلعون على هذه الصفحة ونحن على امل ان نتبادل معهم الرأي حول ضائقتك في الترحال ولعلهم ولعلنا نفيدك قريبا بما يرفع عنك باذن الله وقد وعدنا خيرا بتلبية طلبك قريبا ان شاء الله.
 
ناصح
 
ملحوظة: من اولى المشاكل التي نشرتها "ناصح الرشيد" ويساهم في حلها المسؤولون في هذا البلد الكريم