مقتطفات الجمعة 209

سنة النشر : 18/02/2011 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 209 .
 
حافزُ الجمعة: كل مادة كونية حولها طاقة لا ترى خاصة بها، الشمسُ والقمر والماء والنجوم والصخر.. والإنسان. كل عنصر كوني له ذراته تشع منها موجات من الطاقة تلتئم مع تلك الطاقة الخارجية لتحدد التأثير والتأثر بالعناصر الأخرى، نسميها هالة Aura تتقاطع مع مجالات الطاقة عند الآخرين، وهنا تتشكل الهويةُ وينبع الانجذابُ والتنافر والشغف.. والخوف. هذه الهالة تتأكد أو تتشتت عند القرب من المادة ذاتها. آلة هذا الانطباع: تصوراتُ الدماغ.
 
تصور دماغا بشريا، وكأنك في مشاهد قصة علمية خرافية، تم انتزاعه من الجمجمة كاملاً بواسطةِ علماءٍ أشرار، ووُضِع في دُنِّ سوائل حيوية Vat من المغذيات لتحافظ عليه حيـّاً، وأوصلتْ نهاياته العصبية بأدمغة بشرية محيطة. ستكون هذه الأدمغةُ صلته الوحيدة للمعلومات والمعطيات الخارجية، وكأنه فقد إدراكاته تماما وحلت محلها إدراكات أو ما تصوره عقول الآخرين كإدراكات.. إنه أسوأ كابوس يمكن أن يتصوره إنسان. إلا أن هناك من يتصوره نعيما.. دماغ الديكتاتور!
 
أجّلتُ أسئلة الأحباب عدة أسابيع لتتابع الظروف، وكالعادة اخترتُ سؤالين ليسا بعيدين في موضوعيهما ولا عن مزاج موضوعنا:
 
من ياسين الكواري: ''قرأتُ أن ابن رشد تلميذ ابن طفيل، ولم أجد لابن طفيل مدرسة فكرية كتلميذه؟''. نعم، يا ياسين، لقد كان ''ابن طفيل'' الغرناطي الأندلسي عصاميا (عمل صبيا، ثم كاتبا لعلية الناس، ثم طبيبا لأبي يعقوب المنصور المشهور خليفة الموّحدين)، وكانت له صفة الحكمة الشديدة لطبيعة خبرته بالناس والحياة وتقلب الظروف. وبرأيي الشخصي يا ياسين أنه من أوسع فلاسفة العصر الوسيط عقلا واستنتاجا لتفرده ورحابة عقله وتقبله للنقد والتجريح والتصحيح، فهو نقد كل المدارس الفلسفية بدون أن تكون له مدرسة خاصة. تقرأ له نقداً في بطليموس، والفارابي، وابن سينا (ونقده لهذين الاثنين تحفة عقلية وتعبيرية، برأيي، عز لهما مثيل) ونقـَدَ ''ابن رشد'' و''الغزالي'' وتعرف كيف كانا طرفي مدرستين فلسفيتين عكسيتين. إنه، كما أراه، نافذ البصيرة، مستقل الرأي، خالٍ من كل الاتجاهات.. ربما عُتب عليه ميله العقلي الخالص في الإيمانيات. وتعرف أنه له قصة ''حي بين يقظان'' وهي لا بد أن تعرف كل صندوق ومستودع حكمته أودعها بها بدهاءٍ نادر، فـ''حيّ'' ترضعه وتربّية ظبْيَة، ثم يهتدي بالعقل وحده بدون أي تدخل آخر إلى وجود الله.. وهو مبحثٌ جدّ خطير. ولكن انظر: تأثرت به أفخم عقليات الفكر المسيحي مثل رجلي الدين الأشهَريْن ''توما الأقويني'' و''اسبينوزا''.. ولا تنس أن قصة ''روبنسون كروزو'' الشهيرة إنما من تأثر أو نقل من حي بن يقظان. وأنبـّه أني أراه أعظم الفلاسفة، ولكني أقف حذرا منه في مدى اعتماده العقل (وحيدا) في الإيمانيات.
 
ومن شريفة كندري: ''الحبّ الأفلاطوني، لماذا لا يُسمَّى به عيدُ الحب؟''. يا شريفة، قفي قليلا هنا، فحب أفلاطون الأفلاطوني ليس كما يعتقد الكثيرون أنه حبٌ رومانسي متبتـِّل كما عند العرب في حب ''بني عُذرة''.. ورد في كتابه ''الجمهورية''، وهو حقيق في القراءة، بالفصل السادس كما أتوقع حين شرح التوافق في التدفق بين شخصين (كما في نظرية الطاقة والهالة في ''الحافز''، لكن بطريقته) حين تتوافق الذات العارفة (ما نسميها الآن بالذكية أو المثقفة) مع الحس المتبادل بين اثنين حول فهم وقبول وتصور ذات المعلومة.. أرأيتِ؟ يعني لا يدخل في دائرة القلبِ والورد والقمر .. وعيد الحب!
 
وبما أن الأستاذة شريفة فتحت موضوع أفلاطون، فعند أفلاطون ما يناسب موضوعنا الوارد في المقتطف الثاني، بنظرية يعرفها من يهتم بفكره وهي مثالٌ رمزي عن السجناء في الكهف. يقول لو أن ناساً مسجونين في كهف مظلم طيلة حياتهم، مكبلين بالأصفاد من أياديهم وأقدامهم، وثُبِّتـَتْ رؤوسُهم باتجاهٍ واحدٍ للأمام، ومن ورائهم نارٌ تشتعل، ووراء النار سجّانهم مع تماثيل شاخصة بلا حركة، فالمساجينُ لا يرون إلا شيئا واحدا طيلة حياتهم، وهو الظلالَ المنعكسة من السجّان وشخوصه ممتدة عملاقة سوداء مهيبة على جدار الكهف أمامهم.. فيملأ المسجونين الرعب.. ثم، لو حدث أن فكـّوا قيدهم لفوجئوا بسجّان واحد قليل القامة مع أشباه أشخاص لا يرعبون نملة.. ربما هذه حال عقول من يحكمهم المتسلطون الجائرون!
 
''البحرين'' جزيرتنا الحلوة الصغيرة الوادعة يحميها الله.. وكأنها وجُدت جزيرة كي لا ''يتسلل'' إليها غريب. عسى أن تتحررُ عقول كل من فيها للنظر للسماء، للنخيل، للبحر، للحبّ الذي دام قرونا لأن كل ذلك..هُم.
 
في أمان الله