مقتطفات الجمعة 204
سنة النشر : 17/12/2010
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 204 .
حافزُ الجمعة: الخدمة الإنسانية لا تتم عن طريق شجعانِ السيوف، بل عن طريق أذكياء القلم والعلوم.
أظن أن الأستاذَ "تركي بن عبد الله السديري" رئيس تحرير جريدة "الرياض" يعيش واحدةً من أجمل فترات حياته. فالجريدةُ مرتبطةٌ به عضوياً، ويكاد هو أن يرتبط بها عضوياً، قد يُسمى ذلك عند البعض روح القيادة المسيطرة، وقد تُفسـَّر بأنها نمط القيادة الذي يضع النجاحَ هدفه ثم يتبع أفضل الطرق للوصول إليه. يثبتُ حصولُ جريدته على جائزة أفضل جريدةٍ عربية، بأنّ مسألة النجاح قد حصلت بالواقع المُثبَت، فلم يعد هناك مجالٌ للنقاش حول النجاح كحقيقةٍ، وقد يختلف الناسُ في صفته، ولهم ذلك.
برأيي أن فرحة رجلٍ مُحنـّك مثل الأستاذ السديري هو أنه يعلم أن النجاحَ المستديم هو الذي يلائم الحاضرَ والمستقبل، ومتى ضمن صاحبُ مشروعٍ ذلك فهو كنزُ النجاح الأكبر .. وهو يقبض على الكنز، لأن الاختيار لأفضل جريدة عربية تم في مجتمعٍ شبابي عربي، في ملتقى الإعلاميين الشباب الثالث في عمّان العاصمة الأردنية. والشبابُ هم الحاضر وهم مؤشـِّرو المستقبل، وهنا يتطلع السيد السديري للآفاق الزمنية البعيدة، وهو مطمئنٌ أن جريدته .. ستكون هناك.
في ملتقى المقالة الذي أشرف على تجهيزه وتحضيره وإعداده جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، ظهر بإشراق دور جريدة "الجزيرة" كصاحبة كرسي بحث (الجزيرة) للدراسات اللغوية الحديثة .. لتقدم للمجتمع الفكري منظومة نسَقية تـُبنى عليها مشاريع فكرية في الطيف الواسع لعالم الأدب والثقافة والفكر، وربما كما أتمنّى أن تحتضن فعالياتُهم محاضرات بلغات أجنبية، أو دراسات مقارنة وبالذات فيما يخص أنثروبولجيا الأدب. وحقق ملتقى المقالة مؤشراً طيباً نحو جدية العمل والنفع العام التي تكبر في القادم من الزمن. وقدمَ الدكتور "عبد الرحمن الحبيب" المختص الأكاديمي والمثقف الطليعي، محاضرة علمية أكاديمية حلل فيها عناصر المقالة تحليلاً أكاديمياً دقيقا، ثم أعاد بناءها منطقيا بشكل سائغ ومتعاقب .. تجلت كنوعٍ جديدٍ من واقعية النقد في المقال.
شخصية الجمعة: هو كاتبٌ يقول عن نفسه أنه يقدم المعلوماتِ فقط، ولكن بعد جهدٍ وبحثٍ ودراسة. ولم يقل إنه صاحب رأي، ولم يقل إنه مبدع أو مبتكر، ولم يقدم نفسَه كفارسٍ لغوي. غريبٌ هذا الإنسان، كاتبٌ وليس كاتبا نمطيا، خلاف ما يقوله فعربيّته راقية وكلماته معتنىً في وضعها ومدروسٌ بالمسطرة حتى مقاس الجملة طولا وقِصَرا. وهو معلم مدرسة، ولا يمارس صفة المعلم على قرائه، بل يقدم ببساطة خدماتٍ معلوماتية، على أنه في كل هذا لا ينسى أن يطبق المعلومة في مقالاته على وضع اجتماعي سائد .. ثم تلتفت إلى نفسِك لتقول: "يا ألله، جامعُ المعلوماتِ هذا تبين أنه جمَعَ كل الصفات"، فتضرب يداً بيدٍ متعجِّباً كيف أراد أن يضلـِّلك الأستاذُ "فهد عامر الأحمدي"، ولكنه تضليلٌ إيجابيٌّ كنتيجةٍ متوقعة لطبع فيه التواضع، وليونة الشخصية وتهذيب خجول صفتان فيه غالبتان. ويقول إن قرّاءَهُ كما تبيِّنُ الإحصاءاتُ من الشبابِ في الأعمار الصغيرة، وصحّحته أمام الناس في "ملتقى المقالة"، بأن لديّ الدليل أن الإحصاء غير صحيح، وأن شعبيتـَه تعدّتْ ذلك، لأن أمّي تحرص على قراءة عموده اليومي في جريدة "الرياض" .. وطلبتُ منه أن يضيف شريحة مَن هم فوق الثلاثين لتكون أمّي من ضمنها! وربما ما كان يخطط له هذا العقلُ الباحث الهادئ هو المساهمة في رفع المعدل التفكيري الراقي لدى شباب الأمة، وأنا أتعامل مع الشباب وأتعجب من سرعة تجاوبهم واستيعابهم .. وصح رأيُ "الأحمدي" فهو من الكتاب الأكثر شعبية بين الشباب وفي مقالاتٍ ليس بها اللهو السطحي، بل الفكر معلوماتياً. ويحبرنا من غير تصريح: "اطمئنوا على شبابكم فهم بعقولٍ كبيرةٍ وإدراكاتٍ واسعة"... وجاءنا بالدليل.
سؤالٌ من أسئلة الشهر المؤجلة من التونسية "اعتدال الصفاقسي": عجبت لما قرأت "لبيريه رينو" أن أولَ من ترجم أعظم كتب الهندسة لإقليدس في عهد هارون الرشيد هو "الحجّاج بن يوسف". كيف يحصل خطأ من مستشرق بهذا الحجم، فالحجاج سفاح بني أمية قائل البيت المعروف: أنا ابنُ جلاّ .." ولا له في العلم الهندسي شيء .. هل تملك توضيحا؟" نعم يا اعتدال. ذاك الذي تقصدين هو "الحجاج بن يوسف الثقفي" المعروف من رجالات عصر بني أمية، وهو شخصٌ آخر غير "الحجاج بن يوسف بن مطر". والأخيرُ، مسالم يغيب عليه إن رأى قطرة دم، صاحبُ قلمٍ وعلم عميق، أول من ترجم لإقليدس ثم حسّن ترجمته في عهد المأمون، واعتمدت ترجمته كل التراجم من بعد في أوروبا. هرب مرّة من منزله لأن قطة أطلقتْ صيحة في وجهه .. ولو كان صاحبُنا الثقفي لأطار رأسها!!
والمهم: واحد من أدبائنا المخضرمين، عقـّب بعد "ملتقى المقالة" فكتب لي: "إن الكاتبَ الحقيقي، رغم كل ما سمعت أنكم قلتموه، لا يعدو أن يكون كما في البيت: وطوراً بوعظي أُسِيلُ الدموعا وطوراً بلهوي أسرُّ النفوسا"
في أمان الله ..