مقتطفات الجمعة 195

سنة النشر : 08/10/2010 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 195 .
 
حافز الجمعة: لفتتني هذه الجملة الحاذقة الذكاء وأنا أقرأ في كتاب لمغامرات "شرلوك هولمز"، وهو يقول لزميله واتسون: "العالم مليءٌ بالأشياء الواضحة، الذي لم يتح لأي شخص في أي فرصة بأن يلاحظها".
 
كتابُ الجمعة: شدّني هذا الكتابُ جدا، ومعلوماته مذهلة عن المملكة وسلعتها الكبرى النفط، عنوانه "شفق الوهم في الصحراء Twilight in the desert"، لمؤلفه "ماثيو سيمونز"، وعنوانٌ فرعي يقول: "الصدمة القادمة للنفط السعودي، والاقتصاد العالمي". الكتابُ يجادل طويلا وبأسلوب علمي وإحصائي عن كوامن النفط في المملكة ويوحي بأن العالمَ لا يعلم عنها في الواقع، إلا ما تقوله شركة أرامكو ووزارة البترول السعودية. ويتطرق لمسائل التنمية، وتوزيع الأموال المحصودة من تصدير النفط وآليات توظيفها، ويقدم معلوماتٍ تبدو فيها الصرامة العلمية، كما يبذل ـــ كما يبدو ـــ نصائحَ للمملكة لرفع معدل دخل الفرد الذي يقول إنه تهاوى بشكل ملحوظ. الكتاب صادم من أول كلمة تقرأها حتى تنهي آخر السطر، ولا يمكنك أن تتنفس بين الصفحات من غزارة المعلومات والشواهد والأدلة والإيحاءات، واحتل المركز الأول في قائمة "النيويورك تايمز"، ويتصف بسرعة الجمل وتتابع التحليلات بإمتاع أسلوبي وإدهاشٍ يخلط فيه المعلومة المجردة مع الاستنتاج الشخصي فيؤثر على القارئ كثيرا. وإني أرجو من شركة أرامكو ووزارة البترول الرد العقلاني العلمي والتحليلي على كتبٍ مثل هذه، ودعوة المؤلف في ندوة أو اجتماع ومواجهته بنقاش علمي مركز؛ حتى لا تكون مصادرُنا دوما من جهةٍ واحدة..
 
نسمع الجدال والنقاش دوما حول الحفاظ على نفطنا وكوامنه تحت الأرض أكبر مدة ممكنة من أجل الأجيال القادمة، وأظن أن هذا ليس جدلا صحيحا، وسبق أن أثاره الصديق المتخصص أنس الحجي، وأوافقه عليه؛ لأن هذا لن يفي بنظرية النفع الحدي في الاقتصاد، في كونه جدلا غير عملي.. لمَ؟ لأن ثروة النفط غير دائمة. إن حافظنا على النفط نصف قرن أو قرنا كاملا، إلا أنه في النهاية ثروةٌ ناضبة (تماما كالماء ومعادن الأرض)؛ لذا لو خُيِّرتُ أن أنهي اليوم آخر قطرة نفط من أجل بناء ثروة متجددةٍ لا تنتهي لما ترددتُ لحظة. ولا ثروة باقية ودائمة إلا المورد البشري. ثروتنا الأبدية هي طلائع هذه الأمة من الفتيات والفتيان الحاضرة والقادمة، بجعلهم عناصر منتجة في آلية البلاد الكبرى، وقوة دافعة للثروة والرخاء والازدهار، قادرين دوما على اجتراح الطرق المبتكرة في إيجاد الرزق وتحقيق الكسب، أن تكون ثروتنا هي بقيمة هؤلاء الطلائع، أو بقيمة ما ينتجون، بعملهم، بمهاراتهم، بمبتكراتهم، باختراعاتهم .. متى حققنا ذلك ضمن خطة استرشادية استراتيجية مرنة قابلة للقياس والتغيير والتطوير فلن يؤرقنا عـَدُّ قطراتِ البترول التي نخرجها من جوف الأرض .. أبدا!
 
وكتابٌ آخر، في منتهى الذكاء، في منتهى الظرف، لكاتبٍ موهوب جعل أكثر العلوم جدية واكفهرارا، وهي الرياضيات البحتة، مادةً ممتعةً ومرحةً وجذابةً وساحرةً، والمؤلف هو عالم رياضيات له روح بالغة العذوبة اسمه "جون بارو"، والكتاب أيقونة مبتكرة في تكريس علم الرياضيات للأشياء البالغة الوضوح التي لا نلاحظها، تماما كما قال شرلوك هولمز لصديقه واتسون، وعنوان الكتاب: "مائة شيء مهم لم تعلمه essential things you didn’t know 100"في الموضوع مائة وعنوانه القرية الكونية يقول: حتى يمكن قياس أشياء كبرى من الصعب قياسها، فلا بد من نمْنـَمَتها، فلو أخذنا العالم مثلا في قياس قرية صغيرة عدد سكانها مائة، فانظر ما سنجد: "سيكون 75 شخصا من سكانها آسيويون، و21 أوروبيون، و14 من الشطر الغربي من الأرض شمالا وجنوبا، و8 من إفريقيا. 70 من أهل القرية من غير البيض، و30 الباقون هم من البيض، وستة أشخاص فقط سيتملكون 59 في المائة من كل أملاك وثروة القرية، أما هؤلاء الستة فكلهم سيكونون من الولايات المتحدة الأمريكية. ثمانون من سكان القرية سيقطنون بيوتاً أقل من صالحة للسكن، وسبعون منهم لا يمكنهم القراءة، و50 منهم سيتعرضون لمجاعة شديدة، وواحد فقط من أهل القرية سيمتلك جهاز كمبيوتر، وواحد فقط سيمكنه التخرج في الجامعة .. يا لها من قريةٍ غريبةٍ .. أليس كذلك؟!".
 
في جلسة: أحدهم يقول إنه اشترى سيارة جديدة فخر المصانع الأوروبية ثم يجد بعد انتهاء الضمان بالتكة، رغم اتباعه الصارم لمواعيد الصيانة، خللا في السيارة وتبلغه الوكالة أن إصلاحها يتطلب 30 ألف ريال، ويكاد يقلع شعرَ رأسه: "أنا اشتريت السيارة بثلاثمائة ألف عشان أرتاح عشر سنوات لا أسأل عن مشاكل السيارات، وإذا فقط بعد انتهاء الضمان يكون هذا؟! هل هذه سرقة متعمدة من الوكالة أم سوء جودة من المصنع؟! أحد الجالسين يكاد يفطسُ ضحكا، ويسأله صاحبُ السيارة الفخمة: ماذا يضحكك؟ يرد الضاحك: ها.. ها.. أنا عندي سيارة لها عشر سنوات ولم أغير فيها إلا الزيت.. فبادره الآخر: ليه، بكم اشتريتها؟ الضاحك: بالضبط، هذا الذي يضحكني، اشتريتها بثلاثين ألف ريال، ها.. ها!.
 
في أمان الله..‏