مقتطفات الجمعة 193
سنة النشر : 16/09/2010
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في "مقتطفات الجمعة" رقم 193 ، واليوم أعذروا صفة المرح الغالبة، ولكنه مرحٌ جادٌ ما أمكننا.. وأشكر من قلبي صاحباً لي ساهم بشكلٍ غير مباشر في هذا المقال، شفاهُ الله.
حافزُ الجمعة: أعجبني أحد صيّادي الأسماك الكبار في المحرّق بالبحرين، وهو يُعرِّف الحبَّ، فيقول: "القلبُ لمّا يحب، مثل سمكة "الهامور" التي تبلع بسهولة أي طـُعْم.. ولو كان طـُعْماً زائفاً!"
لي صديقٌ مولعٌ في المقابلةِ اللفظيةِ أو الوصف الحرفي، واهتبال الفرصة رغم تعصّب الظرف. مرة افتقدنا ونحن على الساحل صديقاً لا يتقنُ السباحة بشكل كافٍ، ابتعد عن الشاطئ ولم نعد نرَه، فصعد صاحبُنا برجَ مراقبةٍ خشبي، وقال: "إني أرى رأسَ صاحبنا" قلنا له: "أين؟" قال: "على كتِفـَيْه!". وكانت عنده قطةٌ لطالما روى لنا كيف أنه يغمِّمُها ثم يرميها بعيداً جداً عن المنزل فتعود مهما كرّر المحاولة. يوما كنا معا بحيِّ جديدٍ بعيد وأضاع الطريقَ إلى منزلِه.. فما كان منه إلا أن تناول الهاتفَ وقال لزوجته: "هل القطة موجودة؟" قالت: "نعم". قال: "ضعيها على السماعة، أريدها أن تصف لي طريقَ الوصول للمنزل!". صديقي الآن قدّر له اللهُ أن يصاب بمرض الرحمة، ولم يفقد روحَه الميّالة للطرفة اللحظية، أول مرة زرناه في المستشفى، سألـَنا: "هل تعرفون لمَ مرِضْتُ؟" وتطلعنا ببعضنا مبهورين ومحرجين وحزانى، فتابع بعد صمتٍ: "المرضُ فرصة تعرف فيها صديقُك من عدوك؟" فارتـَحنا.. ولكنه لم يتركنا بشعور الراحة ليتابع متصنِّعا التأفف: "وحتى الآن لم يزرني إلاّ.. أعدائي!".
"متى تعرفون أن الأبناءَ كبروا؟" يسأل صاحبُنا، شفاه الله ورفع عنه، والسؤال يبهتنا مثل كل مرة.. وبعد فترة بلاهةٍ ملأت الجوَّ يجيب: "أبد، ولا يبي لها شيء.. يكونون قد كبروا عندما يكفّون عن سؤالهم التقليدي (من أين أتينا؟) ثم لا يجيبون عن أسئلتنا بعد تأخرهم في العودة للمنازل: (من أين أتيتم؟!)
يجب أن يعرف القائمون على التخطيط في بلدنا (أو قلـّته!) قانون "ميرفي".. وقانون ميرفي هذا عجيبٌ وغير عجيب، مفاجئٌ وغير مفاجئ، ومنطقيٌ وغير منطقي في الوقت ذاته، ويعتمد على النتيجة المتوقعة متى كانت سالبة، ولا يعتمد على النتيجة المتوقعة متى كانت خاطئة.. وآليته بمنطق احتمالات الصُدف، أن "الأشياء التي من الممكن أن تكون خاطئة، غالبا ما تنتهي خاطئة فعلا".. وأكبر مثل مشهور هو لما تقع منك شطيرة الخبز وتكون دهنتَ أحد جهتيها بالمربى والزبدة، فمن الأغلب إنها ستقع على الجهة المطلية وليست على الجهة الأخرى.. يقولون أيضاً في قانون ميرفي إن الذي يتأخر عن الدوام كثيرا، قليلا ما يتم ملاحظته من رؤسائه، ولكن المنتظم كالساعة لو قرّر أن يتأخر مرة فسيكون في وجهه رئيسه! وقانون ميرفي يقول أول من سيعرف عن أي زيادة في راتبك هم الدائنون. وطالني أثرُ هذا القانون باكراً، فأنا لم أدخّن بحياتي إلا مرّة، كان أحد أقاربي من عمري ونحن صغار مولعٌ بالتدخين ولم يعرف عنه أحد (إلى الآن!)، ومرة أقنعني أن التدخين من الرجولة، وأنا في الابتدائية، وكانت المرة الأولى في حياتي، وأول ما أشعلتها وإذا والدة القريب المدخن هي التي تقبض علي مصادفةً وفي بيتنا(!) بالجرم المشهود، وبلغ الخبرُ أمي، وذقتُ عقاباً جعلَ تلك السيجارة هي الأخيرة. ولما وضع المخططون المنازل في جدة في مجاري السيول فهم تصوروا أن الخبزة ستقع على جهتها غير المطلية، ولكن قانون ميرفي، بعد إرادة الله، كان له رأيٌ آخر.. ما يحتمل أن يكون خطأ سيكون خطأ بالفعل. وأرجو منكم أن تقدّموا أمثالكم وتجاربكم التي ظهر بها أثرُ القانون العجيب، قانون ميرفي!
يطيب لي أن أسأل عن كيفية الاستجابة بالمواقف الحرجة لقياس قوة منطق التصرف اللحظي في الأزمة. حاولوا الإجابة هنا، ومن يجِب إجابة صحيحة، فله جائزة للدخول في دورة إدارية حول" مهارات تجنب عواقب (قانون ميرفي) في الإدارات عديمة التخطيط".. وسيكون المدرِّبون من أكبر القائمين على سوء التخطيط في العالم الثالث.. ونجَوا بفعلتهم! والسؤال يقول: " مررتَ بسيارتِك في يوم عاصف على رجلين واقفين تحت الشمس اللاهب ينتظران سيارة أجرة، وكلاهما من أصحاب الفضلِ عليك؛ أحدهما والدك، والآخر صديقٌ أنقذك يوما من الموت، وسيارتك من النوع الذي لا تحملُ إلا راكباً واحدا فقط مع السائق.. فكيف ستتصرف؟
والمهم: صاحبُنا - شفاه الله - يقول ملاحظة أنثروبولوجية بطريقته: " إلاّ ما لاحظتوا يا جماعة أن كل جيلٍ يتصور أنه أذكى من الجيل الذي سبَقه، وأكثر حكمة من الجيل الذي بعده!"
في أمان الله..