مقتطفات الجمعة 190
سنة النشر : 09/07/2010
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 190 .
حافزُ الجمعة: معادلة الدكتور "دانييل برنولي" هي النظرية التي تفسر العلاقة بين سرعة وضغط السوائل المتدفقة .. إنها التي تحكم لماذا تطير الطائرات، كيف يجري الدم في أروقة أجسادِنا، وكيف يحقـن الوقود في سياراتِنا .. لم؟ لأن المياه المتدفقة توجد ضغطا منخفضا، هذا الضغط هو الذي يفسر حمل عشرات الأطنان في الهواء .. وترى أن الفورة لا تحقق إلا انفجارا وتمزعاً، وأن الهدوء في العقل وفي النفس والذي هو بمثابة ضغطٍ منخفض يحملُ وحمَلَ أعظم مشاريع الإنسانية على الإطلاق!
منذ زمن والطبيب وعالم الرياضيات الهولندي دانييل برنولي يعجبني جدا، والتاريخ العلمي لم ينصفه مع أنه صاحب كشوفٍ نقل بها الإنجازَ البشري إلى آفاق جديدة. مع أنه عالم باحث إلا أنه أيضا مفكرٌ وفيلسوف، ورجل نبيل تأسره العاطفة الراقية ويؤمن بأن الهدوء هو قوة الكون، وأن الفورة هي أداة تهشم نسيجَ الكون .. حتى لو كانت صالحة فالنتيجة واحدة. كان يقيس ضغط الماء بجعل الماء يتدفق من إناء إلى آخر ثم يدخل أنبوبة شعرية أثناء التدفق، ووجد أنه كلما أسرع تدفق الماء انخفض الضغط، والقياس هو في دخول الماء داخل الأنبوبة الشعرية فإن ارتفع ارتفع الضغط، وإن انخفض دل على انخفاض ضغط الماء .. ومن هنا جاءت آلة جهاز الضغط العصرية. الهدوء - التروي إن شئتم - هو الذي يرفع الأفكار والمشاريعَ لتكون إنجازات تحلق في سماءِ الإبداع البشري، والنجاح.
كان الدكتور "برنولي" يضطر لكي يفحص ضغط مرضاه أن يدخل الإبرة الشعرية مباشرة لمجرى دمهم، ويتألم لأنه يقول: "إن اختراق الجلد الإنساني هو فورة لأنه يهتك الجلدَ الحامي ويسمح بدخول أجسام غريبة .." كان إنسانا بالعقل وإنسانا بالوجدان .. وقاد حياته بهدوء، حتى لما تعرض للخيانة من النساء والأصدقاء عالج الأمور بهدوء، ولما خانه أحب الناس إلى قلبـه .. ولكن هذه حكاية ستـروى!
وجهنا نداءً أن يتجمع المدونون في الفيسبوك لمناصرة سجيننا في أمريكا "حميدان التركي" لإطلاق حملة مليونية موجهة للرئيس الأمريكي أوباما بعنوان: "أوباما أطلق حميدان"، وكان التجاوب جميلا ومتوقعا، عشرات الصفحات فتحت في كل قارات العالم .. صديقنا الدكتور عامر الحسيني في كارديف فتح صفحة منظمة على الفيسبوك وعلى التويتر، ووزعها على شبكات اتصاله مع نداءات لتوحيدها، وبنت سعودية قوية العزيمة حية الضمير اسمها "سحر" هي أول من بادر بتخصيص صفحة للحملة، ثم إنها عادت فقط بعد أيام لتقول إن العدد وصل إلى ألف وستمائة عضو مشارك، وتشكي أن النمو بطيء، وقلت لسحر أن الرقم ممتاز، وإن الفورات لا تعني النجاح، الهدوء هو القوة لأنه استمرار .. نعم نرجو ألا تكون الحملة فورة حماسة وعاطفة تجاه حميدان، بل ضغطا منخفضا يحمل الحملة لتكون طائرة تحمل مليون شخص مباشرة إلى البيت الأبيض!
قولا الأسبوع: ومن الفتاة الليبية "ميمي بنت العز"، على صفحة الفيسبوك وهي فتاة متفوقة وذات تأهيل عال صارمة الحجاب، راقية الوعي العاطفي والعقلي، تقول: "سبق أن قرأت عن حميدان التركي واهتممت جدا بموضوعه، وأنا في الحملة معكم!" ومن "حسان أونورا" من إريتريا: "أقف ضد الظلم الأمريكي لأخينا المسلم حميدان التركي .. أنا معكم. وسأكون وكيل الحملة في إريتريا!"
خرجت الفرقُ اللاتينية من كأس العالم ومنها فريقي المفضل الأرجنتين، وتذكرتُ نظرية الدكتور "برنولي"، فقد سادت الكرة، كما بدا أمامنا للسيادة القدَيمة الأوروبية، وكأن اللاتين بمهارتهم الشخصية وحماستهم الحارة فورة تهشم نسيجَ الفوز، بينما اعتمد الأوروبيون وبالذات الألمان والهولنديون الضغط المنخفض الذي حملهم للفوز الصريح .. أما الأسبان وهم لاتينيو أوروبا فقد استفادوا من التكتيك الخطـطي واعتمدوا هدوء التوزيع وتوظيف مهارتي أهم وسطين في الأرض من أجل الفريق ليفوزوا وبتفوق على مبدعي تطبيق النظرية "البرنولية" ألمانيا. وسنرى في النهائي هل يفوز مواطنو "برنولي" أم الدم الأسباني اللاتيني المنخفض الضغط!
و"لبرنولي" حكاية تحكى كقمة لإيمانه بالهدوء في معالجة الشدائد. أراده والدُه، وهو عالم رياضيات شهير في عصره، أن يكون طبيباً، وانصاع لرغبة والده وتخرج في مدرسة الطب طبيباً متفوقا، ثم إنه اتجه لعشقه الأول وهو علم الرياضيات، وانخرط في هذا العلم تماما، وتفوق بجانب أبيه في جامعة "بازل" إلا أن الأب كان يغار بحنـق من ابنه ووقف له عائقاً في كل حياته المهنية، والابن يتحمل وبهدوء يستمر في بحوثه عن ديناميكية السوائل، وفي عام 1734م ألف كتابا عظيماً وفارقاً في تاريخ علم الرياضيات الديناميكية بعنوان: "هيدروناميكس" وكرس الإهداءَ لأبيه .. ولأن الكتاب لم ينشر في وقته سرَق الأب كل أفكاره ووضعها في كتاب أسماه: "هيدراوليكس" .. ونُشِر الكتاب. لم يعترض الابن بل وقف يمتدح الكتاب في محاضراته .. ثم ترك كل عشقه الحقيقي، واتجه لممارسة الطب حتى مات .. والآن العالم كله يعرف الابن ولا يعرف الأب!
والمهم: وليْسوا إلى نَصري سِرَاعاً، وإن هُمُ دعوني إلى نصْرٍ، أتـَيـْتُهُمُ شـَـدَّا!
في أمان الله ..