مقتطفات الجمعة 182

سنة النشر : 30/04/2010 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 182 .
 
منعتني ظروفٌ حابسة من التوجه إلى جدة لتقديم واجب العزاء لصديقنا الكبير، أستاذنا ومعلمنا الشيخ عبد المقصود خوجة ففي سماءِ هذا الرجل المرصّعة بالنجوم اختفى فجأة كوكبٌ دريٌ، كان مقدّرا له أن يكون شمساً من شموس مجرات هذه العائلة التي أشرقتْ على البلاد بالعطاءات. عائلة خوجه بريادة هذا الرجل المنارة، أعطت صفةً لمدينةِ جدة في أرضِها، ومنحتها وهَجاً في سماها، ثم إن هذه الصفة وذاك الوهج تمدّدا كنطاقٍ عريض لدفع الأنوار في أرجاءِ الأمة. اختفى كوكبُه الدريُّ إباء عبد المقصود وهو في إشراقة فجرِهِ بسماء الإنجاز، على أن الكوكبَ الدريّ يكتمل شمساً بارعة الإشراق في الخلود. وخرجتْ نبضةٌ من قلبِ أستاذنا الكبير لن تعود، وسيبقى القلبُ نابضاً بالحياة والألم ليعطي الأنوار. اللهم اجعل إباءً في مقام الأبرار، وأن ينتظر والديه باسماً على بوابات الفردوس.
 
حافز الجمعة: القوة في الإرادة، والثقة في النفس، والقلب السليم، هي أقوى الحواس لصنع النجاح وقهر وحوش الفشل. من يعتقد أنه ضعيف، من يعتقد أنه ناقص، فسيكون بالفعلِ ضعيفا ناقصا، لأن هذا ما يمليه العقلُ الدوني على العقل الواعي فيعمل لإثباته. من يعتقد أنه قوي، وأنه سيكون أقوى إن أُخِذ منه شيء، أو حرم شيئا، فهذا يعني رفضا صارما للهزيمة .. ورفض الهزيمة يعادل الانتصار. من يصرّ للوصول للطموح والمجد، فقد فاز فعلاً وهو بالطريق، قبل الوصول!
 
ظهر عنوانٌ في جريدة الشرق الأوسط بأن منتدانا «أمطار» سيستضيف أشهر كفيفٍ في العالم العربي. وهذا ما صار. وحبس عبد الرزاق التركي أنفاسَ المستمعين من كبار رجال الدولة، وأعضاء مجلس الشورى، ورؤساء تحرير الصحف، وألمع الكتاب، وأنبه رجال الأعمال، وجمع من الشباب ضاقتْ بهم القاعة بتجاربه الغرائبية ليصل إلى ما وصل إليه من نجاح، بتوسع أعماله، وتعدد إنجازاته. بل تفوق حتى على واقعِهِ، وهو الكفيفُ قاد السيارة في مدينة أمريكيةٍ في نهر طرقاتها لمدة خمس وأربعين دقيقة. السرّ كما يقول: عندما تؤمن بقدرتِك الذاتية فتخومُك هي السماءُ.
 
قضية الجمعة: هل بلدنا مستهدفٌ من قبل قوى عالمية في المخدرات؟ هذا ما أكده الأميرُ نايف بن عبد العزيز خلال افتتاحه الندوة الإقليمية الأولى لمكافحة المخدرات وتبادل المعلومات الثلاثاء الماضي، وهذه معلومة مزَعْزِعة أن يوجَّه لشبابِ الأمة، مولد طاقاتها، وأساس بناء مستقبلها، أكبرَ خطرٍ في العالم. وهنا يجب أن تكون التوعية دائمةً بذات الزخم وفورات العمل من أجل التصدي لهذا السلاح السام السريع الأذى والمفعول، وليس فقط الدورات والندوات الدورية، إنما توعية مكثفة وصادمة وقاسية حتى لو صُفِعَت بها الأمة قبل أن تستسلم وتدوخ. والدكتور سعد عطية الغامدي في مقالٍ له في «عكاظ» الأربعاء الفائت يقول: «إنه لا معنى لأي مواجهة للمخدرات إن لم تنبع وتصب في البيت، فالعائلة هي الحاضنة الأولى..».
 
وصفع العميدُ عبد الله بن عبد الرحمن الجميل مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في المنطقة الشرقية كل من كان بأستوديو قناة المجد في أول دقيقة من ظهوره حتى المقدم المتمرّس الرائد سامي المحيميد، وأنا، وكنت ضيفاً في البرنامج. قال: لن أنظـِّرَ، سأقول قصة من عين الواقع. جاءت امرأةٌ عند قاض يتناول قضية ابنها المتعاطي، وحسب القاضي أن الأم قادمة تلتمس العفوَ أو تخفيف الحكم عن ابنها، إلا أن المرأة قالت للقاضي: «ليكن عقابُك قوياً ورادعاً»، فتعجب القاضي، إلا أن الأمّ تابعت بغضبٍ منحورٍ: «إني حاملٌ سفاحاً من ابني الذي اغتصبني..» وبُهِتـْنا، وفجأة وكأن الهواءَ جمدَ في الأستوديو.
 
المخدرات زرعت من آلاف السنين في جزيرة قبرص، ثم نقلت للحضارات المجاورة. حتى إن الملك «رَعْ» اكتشف أنه كان يدخن الأفيون .. وانتشرت إعادة تعاطي الأفيون للمتعة، والمجون، والكهانة، والسحر، والسيطرة العقلية في مصر الفرعونية، وعند الإغريق .. والإمبراطورية الرومانية من أسباب سقوطها، إن قرأت كتابَ «سقوط الإمبراطورية الرومانية» للمؤرخ البريطاني «بيتر هيذر»، هو تداول الأفيون بنطاقٍ واسع بين علية القوم، وسواد الشعب ثم انتقلت للعالم الإسلامي شرق المتوسط، والغريب أن الأفيون دار في الأمةِ الإسلامية لثلاثمائة سنة، لم يتناوله المسلمون للمجون إلا ما شذّ، واستخدمه «الرازي» كمسكنٍ قوي للآلام أثناء الجراحة، وكذا فعل «ابن سينا» الذي بقيت كتبه ذات سلطةٍ علميةٍ حتى القرن السابع عشر في جامعات أوروبا. وفي الأندلس لم نعرف أن الأفيون دار للمتعة واللهو، واستخدمه الطبيب أبو القاسم الشهير في التخدير، وكمسكن حتى يصل الطبيب .. ثم نقله العربُ للهند والصين، فانفجر استخدامه للمتعةِ واللهو، وأقيمت له الأوكارُ المشهورة في الصين، ثم نقلوه كالوباء في العالم. فما سر أن العرب لم ينتقل لهم تعاطي الأفيون كمادة للمتعة والسلطنة، بينما استخدمته الحضارات لذلك بعدهم وقبلهم؟ الإجابة لكم.
 
والعميد عبد الله الجميل صاحبُ التجاربِ الواقعية التي تقضّ مضجَعَه، وترهق نهاراتـَه، لما عُرضَ فيلمٌ في استوديو المجد عن المخدرات بعنوان «بداية الضياع» .. اعترض في الحال بآهةٍ حرّى وقال: «السيجارة هي بدايةُ الضياع، أما المخدرات فهي .. النهاية!»
 
في أمان الله..