مقتطفات الجمعة 180

سنة النشر : 16/04/2010 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 180 .
 
حافز الجمعة: مُعـَلـِّمي، حلت ذكراهُ الثانية عشرة الآن. ملأ عقلي، وبعده صارت هناك فجوة في حياتي. لم نكن قريبين في الدّمِ، ولا قريبين في المسافةِ، وكان ألصق بي من الهواء.. كان في أفكاري، كان يصنعُ أفكاري. قال لي يوماً إنه يستثمر في المستقبل، وسألته: «وما هو المستقبل؟» قال: «أنت!». وقتها كنت يافعاَ أقرأ خربشاتي عليه عبر الهاتف. يقول: «يحتاج الشبابُ بعالمٍ ضاجٍّ متعرّجٍ ومتغير لمشاعل تدل على الطريق الصحيح». وكان يقول لي: «الطريقُ الصحيح عادة ما يكون شاقا، صعبا، ولكن تذكّر أن الموجة تزداد قوةً وعنفوانا كلما اعترضها عارضٌ في المسار.» مرّةً قلتُ له: «كيف أستطيع أن أردّ جميلك؟».. قال لي: «سيأتي يومٌ ترد لي فيه الجميل: عندما تستثمر في المستقبل .. الشباب.» وكلّ ما أفعله الآن هو محاولة لردّ الجميل!
 
الشبابُ موجاتٌ صغيرة، يعترضها كثيرُ من المعوّقات، ومحاولات الإحباط، ومنعطفات الإجراء، وتيبّس القرار.. ولكنهم يثبتون أنهم موجات صغيرة تكبر وتقوى وتمتلئ بالعنفوان بعد اجتيازِ كل عقبة.. وكأنّ العقباتِ بدل أن تكون موهنات للعزائم، تحولـَتْ إلى فيتامينات تعزّز طاقة الاندفاع نحو الطريق الصحيح. .. في أسبوعين فقط:
 
جوقة «المفكرون الثلاثة»، شبابٌ استلهموا اسمَ تجمعهم من القصةِ الشهيرة «الفرسان الثلاثة» «للإسكندر دوما» الأب، وأعطيْتـُهم صفةَ «الجوقة» لإضفاءِ المرح الفكري. الفرسانُ الثلاثة كانت أداة بقائهم السيف.. وأما «المفكرون الثلاثة» فأداتهم هي العقل. وكان الموعدُ الذي سرقته من وقتي لهم نصف ساعة في فندقٍ بمدينة الخبر، فإذا هم يذهلونني في ساعتين، ليس فقط بمعلوماتهم، بل بالضنى والجهدِ والانكبابِ والمواصلة في التعلم والقراءة.. كل منهم تعلم بجهدِهِ الذاتي الفرنسية والإنجليزية، صاروا يقرأون ويكتبون بهما، بل إن ثالثهما يجيد الألمانية. وكان حديثـُنا حول فلسفة البافاريين الكبار شيئاً كالخيال. مشروع « المفكرون الثلاثة»: إثبات أن العقلَ العربي يستطيع أن يقتحم العالمَ مرة أخرى، ليس من فراغ، وإنما انطلاقاً من تجربةٍ أثبتت يوما أن العقلَ العربيَّ إبداعيٌ، وصار الآن صَدِئاً، ولكن ما زال المعدنُ القويُ تحت الصدأ.
 
وفي جامعة الملك سعود في الرياض كان لقائي الثاني مع طلبة وطالبات الجامعات في نادٍ صار يتوسع داخل حرمَ كل جامعةٍ سعودية، وهو «نادي القراءة». كان لقائي الأول مع طلبة وطالبات «جامعة الدمام»، وكان اللقاءُ من أثرى اللقاءات في النقاش في العلوم والآدابِ واللغاتِ القديمة والأخلاق والهندسة الكونية، وأكبرتُ حضور مدير الجامعة ومعه كبار الأساتذة تأييدا وتعزيزا لأنشطة أبنائهم وبناتهم. وفي جامعة الملك سعود كان الوقتُ يجري والأسئلة تتسابق بين الأولاد والبنات، وكلها أسئلة جعلتْ واحداً مثلي يكاد أن ينهدّ بنيانه، ويرفع علمَ الاستسلام الأبيض. لم أرَ حماسةً متواصلةً كسلسلةٍ من طاقة حيوية متفجّرة كما أرى اليوم بين طلبة الجامعات. في الليلة ذاتها تلقيت ثلاث دعواتٍ من ثلاث مدن: « هل تأتي لنا في «نادي القراءة» كما فعلتَ مع...»، فتحوَلّ عينايَ.. أكثر!
 
من أجمل الجمعيات التطوعية «الجمعية الوطنية لطلاب الطب»، وبالذات الفرع النشط من طبيبات وأطباء المستقبل العميمي النشاط في كليات الطب في جامعات المملكة. هذه المرة أقاموا معرضاً مهمّاً ومُدهشاً بالقاعة الرياضية الخضراء بطريق الدمام - الخبر. مهمٌ لأنه يعتني بالأطفال، ومدهشٌ لأنهم يقدمون الحلولَ العملية والمشاهَدَةِ والمطبَّقة أنموذجيا في المعرض أمام الأُسَرِ، وعلى أبنائهم .. قامتْ الطبيباتُ والأطباءُ الشبابُ بعمل لم يقم به الكبارُ من قبل، على الأقل من الناحية التطبيقية الفرائحية التطوعية.. ولما زرتهم أصابني تيبّسٌ في فكـّي، لم أستطع أن أقفل فمي من فرطِ الإعجاب، ومن تواصل الابتسام جذلانا بما أرى.. عالمٌ صغيرٌ عجائبي يعجّ بالأفكار على الأرض، على الواقع.. شيءٌ من نسْغ الحياة!
 
وفي استراحةٍ شرقي الرياض، استضافني شبابُ مجموعة الرشيد الإعلامية. وهم جهة شبابية تهتم بتدريب الشباب في الوسائط الإعلامية، في كل ما يحقّق صناعة إعلامية مروراً بكل مهنها من التصوير والإنتاج والإلقاء والإخراج وعلم صناعة القنوات الفضائية الصالحة والمفيدة (هذه المرة!) شبابٌ طموحُهم السماء (حرفياً) يريدون أن يصيروا أقماراً ( حرفياً أيضا) تنقل المعرفة والإمتاع والتسامي الأخلاقي في بوتقةٍ واحدة. وإني أتأمل أن يفاجئ هؤلاء الشبابُ كامل الفضاء الإعلامي بنجاح مُشمس (استعارةً هذه المرة!) عن قريب. لماذا؟ لأني رأيتُ من الأفكارِ عجَبا!
 
ومكالمة هاتفية: - نحن شباب مهندسون في أكثر من تخصص نريد أن نجتمع بك الآن عن مقالك عن المياه. - طيب، سأرى متى يسمح جدولي. - نحن عند باب مكتبك..! بعد ساعتين أربكتا كامل الجدول اليومي، أتوقع أن يخرج مشروعٌ تطوعيٌ بأفكارٍ أخّاذة .. عن «قطرةُ ماء، قطرةُ حياة!».
 
يوووه.. تعبت!
 
إلى معلـِّمي: جلَوْتُ من الكونِ بدعَ الصُّـوَرْ فهلاّ خلـَوْتَ بنات الفِكَرْ إذا صوَّرتْ كفُّكَ النهرَ يجري سمِعْتُ خريرَ مياهِ النَّهَرْ
 
في أمان الله ..