مقتطفات الجمعة 174

سنة النشر : 04/03/2010 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 174 .
 
حافزُ الجمعة: منذ صِغري تولعتُ ببطلين من الغرب، البطلُ الجبارُ الكريبتوني الأسطوري «سوبرمان»، وعبقري إيطاليا الأكبر «ليوناردو دا فنشي». بمرور الزمن نضج عقلي نسبياً لأعرف أن الإعجابَ الذي أحق بالبقاء والاتباع والبحث هو ذاك الذي عن «دا فنشي» وما ولعي بالرسم الكلاسيكي، وبالذات التشريحي الدقيق في حركة الأعضاء البشرية، إلا من متابعتي لقصص سوبرمان المصوّرة، ورسومات «دا فنشي» ومسوداته التي تقارب المعجزة بدقتها. وكان من عادة والدتي إيقاظي فجراً، سقياً لها من عادة، ولا أستيقظ إلا تحت وعيدها. وفي يوم وقعَتْ يوما بيدي رواية ألفها «ديمتري ميرزكوفسكي»، وكانت بعنوان: «رومانسيات دا فنشي The Romance of Leonardo da Vinci»، وعلِقـَت أفكاري عند هذه الجملة:«من عادات «دا فنشي» المحبوبة، أن يستيقظ فجرا قبل أن تطل الشمس ليطالع في مراجعِهِ، ومتعته العظمى أنه يزاول ذلك والناسُ حوله نيام..» وبعدها اكتشفتُ هذه المتعة.. وأدمنتها، فصنعَتْ فارقاً أكبر في حياتي.
 
ظاهرةُ الجمعة: هل تؤمن بالمعجزاتِ اليومية أو الصغيرة؟ حتى لو لم تؤمن بها، متى صنَّفْتَ أحداثا غير متوقعةٍ كذلك، فإن هالة عجائبية ستحيط بمجرى أحداثِ حياتك ليجعلها أشدّ جاذبيةٍ وأكثر إمتاعا، وألطفُ تلهّفا. ومن المعجزات الصغيرة التي طالما أردّدها، وأتلذّذ باستعادتها، هو أن الوالدة أطال اللهُ بقاءها، تعلم كم أحبّ طبقَ «المطازيز»، وكنت أيام الجامعة أدرس خارج مدينتي، وأحاول دوماً أن أفاجئها بمجيئي، ولكن دوما أنا الذي أُفاجَأُ بأنها لم تـُفاجأ، كانت دوما تتوقع متى سأكونُ في البيت، ويكون «المطازيزُ» في انتظاري مطهياً قبل وصولي. ومن المعجزات الصغيرة الأخيرة التي حصلت لي، أن الرئيسَ الهندي زار مجلس الشورى الإثنين الماضي، وتوقعتُ أن يكون لائقا أن يرتدي جميع الأعضاء البشت، الذي من عادتي ألا يكون معي، فتنبهتُ في آخر لحظةٍ كي أستعين بصديقي وزميلي عضو المجلس الدكتور «نواف الفغم» ليسعفني، وتردّدتُ، ثم فوجئتُ به يهاتفني قائلا: «أعرف أنك لم تحضر بشتاً، وقد أحضرتُ لك واحداً»، فتمتعتُ باقي الجلسة بهذه الهالةِ التي تحتضنك عند حصول المعجزاتِ الصغيرة.
 
شخصية الأسبوع: بما أن الهمَّ الذي يشغلنا متشابهٌ، فكان مُقَدّر أن نلتقي عمَليا، بعد أن امتدت علاقتنا الشخصية، الصديق العزيز الدكتور «توفيق بن عبد العزيز السويلم» وأنا. والدكتور «توفيق» له اهتماماته المهنية، ويدير عملا استشارياً ناجحا، ولكن مرحلة جديدة من علاقتنا أشعَّتْ بعد أن صارَ رئيساً لجمعية «أواصر»، وهي الجمعية التي تُعنى بالرعايا السعوديين في الخارج. وحيث إن «رابطة العودة للجذور» التي نعملُ عليها في الشرق الأقصى تقع من عصب اهتمام جمعية أواصر، فكان لابد أن نلتقي. الدكتور «السويلم» من عباقرةِ العلاقات العامة، ويملك وجهاً يشعّ بالابتسام وطزاجة الطلـّةِ الطفولية، بهذه الملامح السمحة، والابتسامة العريضة التي لا تختفي، وهي ابتسامة صافية تخرج من قلبٍ تملأه أنوارُ النوايا الجميلة والمحبة الإنسانية. وهذا الرجلُ الموفـَّقُ، لم أتوقع أن يبكي فجأة وأنا أحكي له بعض مآسي أولادنا وبناتنا المتروكين في الشرق، حتى إني احترتً كيف أتابع بقية الحديث. رجلٌ، مثل هذا، لا تطيحه ولا تهزّه عواصفُ المشاكل الكبرى، ثم يذرف الدموعَ بلا إنذارٍ من أجل عذابات طفلةٍ أو طفل.. هنا موقعُه الصحيح. لذا فإني مستبشرٌ بأن «جمعية أواصر» بقيادته ستشق آفاقاً استشراقية، وأنّ «رابطة العودة للجذور» ربما تكبر بالتعاون مع «جمعية أواصر» لتنتشر بفاعلية في كل بلدٍ به سعوديون تعطلت بهم السبُلُ.
 
وسؤالٌ من «نوفة العازمي» من الكويت: «هل الذكاءُ، أو الدماغ تنحدر إمكاناته مع السن؟»، يعتقد الكثيرون يا نوفة أن القدرة الذهنية تتضاءل مع الزمن، ومع التقدم في العمر، فمن المعروفِ أنه من بعد أن يتجاوز الإنسانُ الـ 25 من العمر يبدأ بفقد الخلايا في أنسجته، ومنها تلك العصبية التي في الدماغ التي تسمى تشريحياً بالنيرونات Neurons ، ويترجمها المتمسكون بالترجمة الطبية للعربية بِـ «العَصْبونات». وستذهلين حين تعلمين أن الذهنَ يزيد أداؤه مع العمر، ولا ينقص. فهذه النيترونات، أو العصبونات، إن شئتِ، قادرة بشكل مذهل وخارق على خلق شبكات اتصالٍ معقدة في داخل الدماغ طيلة حياة الواحد منا. إن المنحةَ الإلهية لنا من كمية هذه العصبونات عظيمة جدا، حيث لو أننا فقدنا ألفَ عصبونةٍ يوميا من خلايا أدمغتنا فإنها لن تتجاوز في مجموعها 1 في المئة مما نملك منها!
 
فكروا كم من الأحداثِ التي مرت في حياتكم يمكن أن تعتبروها من المعجزاتِ الصغيرة، فزوجةُ رجلٍ مشغولٍ جداً كتبت بأن زوجها عاد للمنزل الساعة الواحدة ظهرا، واعتبرتها معجزة صغيرة، وصديقٌ لي نجا من حادثتي قطار في إسبانيا ومصر في أسبوعٍ واحد. رجاءً، سجِّلوا أحداثكم وأعيدوا النظر فيها فقد تجدون منها معجزاتٍ صغيرة. وإن أخبرتموني.. فسأعتبرها من المعجزاتِ الصغيرة!