مقتطفات الجمعة 173
سنة النشر : 26/02/2010
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 173 .
حافز الجمعة: وهذا رأيٌ شخصيٌ، حينما سألني سائلٌ في الجامعة الأردنية: «ما الفرقُ الأولُ بين الإنسان والحيوان؟». الجواب: كل نشاطاتِنا الجسدية: اللذة، الألم، التنفّس، الأكل والشرب، الإخراج الحيوي، النومُ، الولادة، الموتُ، هي صفاتُنا الحيوانية، ما يجمعنا كلنا في مملكة الحيوان. وأول صفةٍ تفرّق الإنسانَ عن الحيوان هي الخجل، أو الشعورُ بالخجل. لذا كان أولُ ما عمله آدم وحواء أنهما ارتبكا أمام الجسدِ العري، فكسـَواه.. هذا الشعورُ الأول هو الذي يرتقي - في الطباع - بالإنسانِ إلى سمَقِهِ الإنساني بعلوٍّ فوق الحيوان. والنظريةُ إذن: من يتعرّى أكثر، يقتربُ إلى مادّتهِ الحيوانيةِ أكثر!
شخصية الجمعة: رجلٌ هادئُ جداً، لو سمعتَ عن ملمسِ الحرير الذي يغلـِّفُ سطحاً من فولاذ، فهذا ما يظهرُ من طبيعته وطبْعه.. إنه الدكتورُ «بندر الحجّار» زميلـُنا في مجلس الشورى، وأرتاح إلى صفةِ «الزميل» أكثر من الصفة الوظيفية، وتجعلني أنطلق بلا تحذّر. هو من أهل «المدينة المنورة»، ومن هنا جاءتْ صفةُ الملمس الحريري، فأهلُ «المدينة» أشهَروا لأنفسهم طبائعَ الهدوءِ والطيبةِ والرقيّ التعاملي، وربّما تـُوِّجوا على بقية مدنِنا بهذه الصفات.
وليس غريباً أن يكون الدكتورُ «الحجّارُ» ناعماً راقي التعامل، على أن الفولاذَ يلمعُ حادّا قوياً في شخصيته الإدارية وهو يدير الجلساتِ نيابة عن معالي رئيس المجلس أو يدير العملَ من مكتبِهِ، فيبدو ضليعاً في الأنظمة، صارماً في التدخّل، وإعادة المتداخل من الزملاء عما يراه خروجا من حدود متطلبات نظام الجلسة والمجلس، ولا يرتد. وأظن أن هذه الصرامة والجِدّية الفولاذيتين المغلفتين بطبقةٍ سميكةٍ من الحرير، كوّنـَتا مجتمعتـَيْن قوة الإصرار. فهو من الذين وصلوا سريعاً في مدةٍ قليلةٍ نسبياً، ولكن مدةٌ القليلة كان فيها مبرّراً كافياً من الوقودِ والذكاءِ المتأجِّجَيْن للعملِ وللنجاح. إنه الرجلُ الذي تصادفه أنيقاً مُشِعّاً في الممرّ، فإذا كسوة الخجل هي التي تبدو.. ولكنها لمعةُ نصلِ الجديةِ الحادة والعملِ الدقيق حين يبدأ المباشرة.. مباشرةُ العمل.
في ليلة الإثنين الفائت كان لقاءً جميلا وماتعاً مع الحضورِ في مقرّ الغرفة التجارية في الشرقية ضمن نشاطات جمعية الموارد البشرية ( أشرم) التي تقيمها شهرياً، وتفضلوا باختياري متحدِّثَ تلك الليلة، وأدارها، بنجوميةٍ وألمعيةٍ وبروحٍ خفيفة، أخي وصديقي الأستاذ «صالح بن علي الحميدان» مدير عام دار «اليوم»، وكانت عن «الريادةِ الاجتماعية والرائد الاجتماعي». وصنـَّفتُ الريادة الاجتماعية بأنها: «تلك التي تنقل المجتمعَ من مكانٍ إلى مكان، ومن مقامٍ إلى مقام، ومن حالةٍ إلى حالةٍ، مهما صغرتْ المساحةُ أو كبُرت، مهما ضاق الزمنُ أو رحِب.. مهما عظمت التجربة والمشروعُ أم تضاءلا. ولا يمكن لرئيسٍ معيَّنٍ، أو موظفٍ مرموق، أو شخصيةٍ مختارةٍ ضمن الهيكل الإداري والرسمي أن تقود عملاً ريادياً اجتماعياً ما لم تتوافر فيها هذه الخلطة الغامضة والواضحة معا، الغامضة في التفسيرِ العلمي والتحليل المعملي، والواضحة حين يقع الإعجابُ لها من الناس من أول لمحةِ عين.. فيسِلـِّمون لها أهم ما يعطي إنسانٌ أنساناً آخر: الثقة!».
وفي جريدة «عكاظ» عدد الإثنين 22 من الشهر الجاري، لفتتني بشدّةٍ ثلاثُ مقالاتٍ، الأولى «البليهي نموذجاً» للأستاذ «سليمان بن محمد العيسى» عن الأستاذ إبراهيم البليهي، عضو مجلس الشورى، الذي أرجع منحةً أُعْطِيَت له يوم كان مسؤولاً في الشؤون البلدية والقروية في القصيم، لأنه يرى أنها مُنِحَت له بسبب موقعه الوظيفي، وهذا أمر يكاد يكون سريالياً فوق الواقع. الأديبُ والمفكر البليهي يعيد شخصياتِ حكايا الخيال عن الرجل الأمثل. وأتعجّبُ ألا تحتلّ هذه الواقعة الصفحاتِ الأولى من الصحف، فهي أعظم وقعا من الترنيمة التي تكرر للإثارة الصحافية (رجلٌ عضّ كلباً!). وللكاتب الأستاذ عبده خال بعنوان: «القولُ الفصل في إبقاء الوصل» عن تذمر متضرري سيول جدة في مسألة ضعف التعويضات والتأخير وأنّ مسؤولي وزارة المالية أبرموا قراراً جازما بأن ما حصلَ حصل ونهائي، ولن تُقبـَل أية احتجاجات، ويتساءل «خال»: ألا توجد جهة محايدة للحكم، هل المالية هي الخصمُ والحكم؟»، يعني ضررٌ وقهرٌ حتى بعدم رفع الصوت لإباحة الألم على الأقل. والشاعرُ المُجيد، والكاتب الاجتماعي الدكتور «سعد عطية الغامدي» بعنوانٍ درامي: «المعلماتُ المجاهدات»، يشير بألمٍ إلى حال المعلمات اللاتي يتعرضن لرعب الطرق البعيدة يوميا، ثم وهنّ الجامعيات يُعَيَّنَّ على بندِ الأجور بأجورٍ هزيلة، وينادي بالإنصاف. وبالفعل هذا ليس مشهدا ميلودراميا مُبكيا فقط ، ولكن كيف نريد نشئاً قادماً خلاّقاً بمعلماتٍ ومعلمين مسحوقين من الداخل؟!
وننهي مقتطفاتنا اليوم بنقاشٍ قرأته بين معنييّن في اللغةِ العربية حول كلمة «بوسه»، هل هي عربية الأصل؟ أم هي اكتساب من لغةٍ أخرى؟ أم هجينة؟ أحدهم نسبها للغةِ الآرامية، وآخر للغةِ المحكية أيام البلاطمة في الإسكندرية، ومن قال إنها يونانية، واجتهادات أخرى. ومن يطلع في الآدابِ الفارسية فسيجد أن كلمة «بوسه» تتكرر كثيراً بمعنى «قـُبلة»، فأصلها إذن، في رأيي، فارسي. وللشاعر «حافظ الشيرازي»، وهو أيقونة الشعر الفارسي، بيت غزَلي من أشهرِ الغزلياتِ في الشعر الفارسي، يقول فيه (بالفارسية): أى صباكَر بكَذري بر ساحل رود آرس «بوسه» زن برفاك آن وادي ومشكيم كن نفس وينقلها «محمد علي شمس الدين» بالعربية شِعراً: يا ريحَ آراس مُرّي قربَ منزلِهِ و«قبـّلي» وجهـَـهُ يا ريــحَ آراسِ
في أمانِ الله..