مقتطفات الجمعة 172

سنة النشر : 19/02/2010 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 172 .
 
حافزُ الجمعة: صدق ''بيْدَبا'' الفيلسوفُ عندما قال إن الهنودَ أهلُ حكمةٍ. روى لي المثقفُ الهندي ''سراج خان''، وهو من الذين أسميهم ''أصدقاء الفضاء''، تعرفتُ عليه منذ سنواتٍ في رحلةٍ جويةٍ، وتوثقتْ علاقتنا من حينها، ونحن نتعرض لموضوع الإحباطات وتقليل القدر والتعثر التي يتعرض لها الإنسانُ في مسعاه، هذه القصة: رفع المعلمُ لمريديه ورقةً من 500 روبية، وسألَ: من يريدها؟ فرفع الجميعُ أياديهم، ثم إنه كرمشها بقوةٍ بيديه، وعاد يقول: من يريدها الآن؟ فرفع الجميعُ أياديهم، ثم رماها على الأرض وصار يسحقها بحذائِهِ حتى اتسخَتْ تماما وتكسّرَتْ، وسألَ: من يريدها الآن؟ فرفع الجميعُ أياديهم. فقال لهم هذا هو درسكم اليوم، مهما حاولت تغيير هيئة هذه الورقة تبقى قيمتُها لم تتأثر؛ مهما تعرّضتم للتحقير، والتعثـّر، والتقليل، والإهمالِ والتهميش، يجب أن تؤمنوا أن قيمتـَكم الحقيقية لم تُمـَس.. عندها ستسمرّون في الوقوفِ بعد سقوط، وستجبـِرون الكلَّ على الاعتراف بقيمتكم. متى فقدتم ثقتكم بأنفسكم وقيمتها.. فقدتم كل شيء!
 
قضية الأسبوع: هل مرضُ التوحد، ومتلازمة ''داون'' وفرط الحركة أمراضٌ اجتماعية أم صحية أم تربوية؟ يعني، هل هو من اختصاص وزارة الشؤون الاجتماعية، أم وزارة الصحة، أم وزارة التعليم؟ حتى الآن ليس هناك هيئة متخصصة ومسؤولة ومّوجِِّهة لمن عندهم هذه الظواهر. هذه الأمراضُ إن صدقت عليها الصفة، منتشرة بنسبة ظاهرة، وربما بنسبة حتى قد تفاجئ الكثيرين، ولكن حتى الآن يعاني أهالي هؤلاء المصابين بهذه الظواهر معاناة تجاري المستحيل.. إنهم لا يجدون بسهولة المدارس، أو المعاهد المتخصصة، ولا الخبراء، ولا مطوّري السلوك والذكاء، ولا المتابعين الصحيين لمضاعفات الحالات.. وهناك جمعياتٌ تحاول الوثوب إلى السطح لأخذ النفس العميق قبل الغرق مرة أخرى في متاهة عدم الاختصاص. هؤلاء الأبناءُ والبناتُ كثيرٌ منهم في الخارج ليتلقون العناية العلمية المتخصصة، بعضهم على نفقة الحكومة، وأكثرهم على نفقة الأهالي القادرين، ويبقى غاطساً في بحر التيه والحيرة الكتلة الكبرى الذين لا يطالون أيّاً من الخيارَين.. لو أن هذه الأموال استُخدِمَتْ لإقامة هيئةٍ مستقلةٍ علميةٍ وعمليةٍ وبها مركزُ بحوثٍ ومعاهد عنايةٍ لانتفعَ الأكثرُ احتياجاً من أبنائِنا وبناتِنا، وانتشلناهم وأهاليهم من دوامة القلق واليأس.
 
شخصيات الأسبوع: تحاول الدكتورة ''سعاد يماني'' وبعنادٍ وبأس لا يمكن أن تتخيله في الإهاب القليل لنشر الوعي عن ''ظاهرة فرط الحركة وتشتت الانتباه'' عند أكثر من 15 في المائة من أطفالنا، ومعظمنا حتى لا يعلم، وهي من أكبر النسب في العالم. كما تجاهد السيدة ''سنثيا كردي'' في المنطقة الشرقية في سعيٍ لا يكل لتكريس الاهتمام العلمي والمتابعة الدقيقة لمرض ''متلازمة داون''، وتحرص الدكتورة ''مشاعل العتيبي'' بصفتها أمينة عامة لمنظمة الطفولة العربية على متابعة هذا الموضوع بمساندة تأخذ دائرةً أوسع.. هي جهودُ رائداتٍ عزمْنَ أن يمضين في طريقهن مهما تطلبتْ الظروفُ والتحديات، شيءٌ واحدٌ لا يمكنهن عمله: الرجوع عن متابعة الطريق!
 
كتابُ الأسبوع: هذا كتابٌ رهيب.. لم أجد صفةً أو لفظاً يساعدني على مدى الحرج الذي يضع سمعتنا في مذبح تعظيم السلبيات بسبب ما روي بهذه القصة التي وضعها ''سليمان دنيا'' المهاجر الأرتيري إلى مدينة جدة السعودية. كتابٌ يجب أن تعيه كل الأمة حقا.. إننا نفرّخ، ونُؤوي، وبطريق غير مباشر نشجّع من يعمل عندنا أن يذهب ليؤلّف كتاباً أو يكتب مقالاً، أو يجري لقاءً، يضعنا فيه كأمّةٍ وشعبٍ وحكومةٍ على مشرحة التشويه الحاد. الكتابُ سأترجم عنوانه من الإنجليزية بـ ''عاقبة الحب'' The Consequence of Love، يروي ''دنيا'' فيه عن شابٍ صغير مهاجر يقع في غرام فتاةٍ سعوديةٍ، فيقع بيد الشرطة الدينية (يقصد هيئة الأمر بالمعروف)، القصة طويلة وكتبت باحترافٍ متمكن بالإنجليزية في حبكةٍ الرواية الرومانسية الملحمية، متتبعا حكايات الشغف الكبير مثل قيس وليلى وبياترس دانتي، ولكن مع حرمان أعظم، وسحُبِ سوداوية وعذابات أبطال ''كافكا''، والتفجع في تشويه المجتمع السعودي ''ذي القناعين'' كما يصف، وكيف أن الكفيلَ هو المسيطر النهائي.. هذا الكتابُ استُقبل باحتفاءٍ في الأوساط الأدبية الغربية، ووُضع على لائحة الترشيح لجائزة الكومنولث الراقية، وقرضه نقادٌ مشهورون في أكبر صحف إنجلترا. لنعتبره مؤشراً لكيفية تعاملنا مع من يقيمون بيننا، فإنهم قد يكونون الأكثر فائدة، وقد يكونون الأكثر ضررا. لم أنتهِ بعد، هذا يحتاجُ مقالاً.. بل سلسلة مقالات لنفتش غطاءً كان يجب فتشه!
 
ونختم بطرفةٍ ذات مغزى وهي حقيقية وأوردتها مجلة ''التايم'' الأمريكية عن تصريح صانع قبعات الكراكول، وهي القبعاتُ التي يعتمرها النخبةُ من الأفغان، يقول فيه إن حجمَ قبعة الرئيس الأفغاني ''حميد كرازاي'' قد زاد مقاسُها سنتيمترين ونصفا منذ توليه الرئاسة في أفغانستان.. ليعقـّب موثـّقاً: ''الرؤساءُ تتورمُ رؤوسُهم!''.
 
في أمان الله..