مقتطفات الجمعة 169
سنة النشر : 28/01/2010
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 169 .
حافزُ الجمعة: يسأل فارس العتيبي: «لما رأى صديقي دموعي وأنا أتابع مشاهدَ عن ضحايا «هاييتي»، نهرني كيف أولا أبكي وأنا رجل، وثانيا لماذا أبكي على غير المسلمين؟ ما رأيك؟». الشاعرُ الإيراني «حافظ» يقول يا فارس: «ستشعرُ بالصفاء وأنت تسير في أرض الدموع». ليس من الإنسانية ولا القوة أن تروّض الموجَ الهادرَ من العاطفة، هذه الدموعُ توثق رباطـَنا البشري، إنها تعلمنا أن نتعاطفَ مع الآخرين، وستدلنا على أن الآخرين أيضا يسيرون في أرض الدموع من أجلنا. بل إن ما نرى في «هاييتي» من تقاطر الناس من كل مكانٍ في الأرض لهو دليلٌ على أن كوكبَنا هو كوكبُ الدموع، الدموعُ التي تطهّر وجودَنا، وتوصلنا إلى ذُرَانا في قيمتِنا الإنسانية.. وهنا ترى يا فارس أن الدموعَ هبةَ من هباتِ من السماء.
قضية الأسبوع: هل تنتهي حربُ الحدود؟ كلُّ حربٍ لها بداية وكل حربٍ لها نهاية، ولكن بداياتُ الحربِ محدَّدةٌ وقاطعة في قياس الزمن، إنما النهاياتُ ذائبةٌ ومائعة ومتداخلة مع تيارات الزمن. قد تنتهي الحربُ المعلنة وتتواصل الحربُ الخفية، وقد تقف الحربُ بهدنة سلام، وتظَلّ أعمالٌ تخريبية تدورُ في الظلام.. قد تنتهي الحربُ ماديّا ثم تتواصل حربٌ نفسية وتأثيرية تبقى حتى ينجزُ عنصرُ النسيان مهمتـَه لشعوبٍ كاملةٍ، على أن هذا يأخذ الكثيرَ من الوقت. إلا حربُ الحدود، فبرأيي أن حراسة الحدودِ ذاتها إن لم تكن حرباً، فهي حالةُ استعدادٍ حربيٍّ دائم، وضِعَت الحدودُ لكي تُحرَس وإلاّ لا قيمة لها إلاّ كأثر الخطوطِ الحمراء في الخوارط السياسية الورقية.. مجرّدُ خطوطٍ وهمية. متى حرسنا الحدودَ حفظنا وصُنـّا ما تحيط به هذه الحدودُ؛ كاملُ الأمّةِ. لذا عندما تبدأ حربٌ حدوديةٌ فهي تثبت أن حالة الاستعداد الحربي يجب أن تكون القاعدة المستدامة، لأنها قد تمنع الحربَ ذاتها في الأصل.
شخصية الأسبوع: لا شك أن صحافتـَنا تحفلُ بكُتّابٍ جيّدين، على أن هناك من الكُتَّاب من له صفة تميّزه عن الآخرين، ليس بالضرورة أن تجعله الأحسن في صنعته الكتابية، ولكن تجعل له نكهة وميزة خاصتـَيْن، خصوصاً إن خدمتْ هاتان الخصلتان منحىً إيجابيا. وهنا تنبع صفة الكاتب في جريدة «الرياض» فهد عامر الأحمدي، فميزة كتاباته أنها معرفية في الأصل، ثم أنه لا يدعي العلمَ، ولا يقدم محاضرة استعراضية، إنه كاتبٌ يجـِدّ على مادتِهِ ويجتهدُ في بحثِهِ، كآليةِ النحل، ليقدمه رحيقاً سائغاً لقرّائِهِ من المعرفةِ السهلةِ الاستيعاب العميقة الأثر والفائدة، ثم إنه لا يمس قضيةً مثيرة للجدل، ولا يدخل طرفاً في نزاع أو مسألةٍ تفرضها الساعة ليبقى سابحاً في تياره الرائق المعرفي كي يجد القارئُ ما يزيل عنه قشرة المعاناة والثورة الشعورية مع كتابٍ يثيرون ويشحنون العاطفة من كلّ طرفٍ، كما تزولُ القشرةُ عن جرحٍ اندمل، ليشرق الجلدُ حيويّاً من جديد. وهو يربطني استدعاءً بأحد كتّابي المفضـّلين، الأستاذ حسن السبع الكاتبُ في جريدة «اليوم»، من حيث عدم الدخول في الجرح الملتهبِ، وإن مسّهُ فهو من ناحيةٍ معرفية بلا شحن عاطفي، ولكن بجماليةٍ اطلاعية استدلالية.. أتمنى من هذين الكاتبين أن يتعارفا ويشكّلا مدرسةً معرفية ورافعة للآليةِ الذهنيةِ والعاطفيةِ خاصة، تبدأ بهما، ومنهما.
موقف الجمعة: ويأخذني سؤالُ أخي فارس العتيبي في «حافز الجمعة» إلى ملاحظة إنسانية في «هاييتي».. لقد كان العنوانُ الرئيس في أكبر صحيفةٍ هايتية، هي نقلا عن أحد المشاركين من الناس العاديين الذين لا يرتبطون بجمعيةٍ أو جماعةٍ دوليةٍ أو محلية وتلقى تدريباً في الكوارث، حين قال: «إنها خطوة للأمام للإنسانية»، وقال جملةٌ تشبهها رائدُ الفضاء الأمريكي «أرمسترونج» حين وضع أول خطوة إنسانية على القمر. إن الكوارثَ تُفصحُ عن وجهٍ مضيءٍ للإنسانيةِ حسبنا أن رُغامَ المادة أطفأه، فإذا هو يتقدّ من جديد، لن أشير إلى الذين جندوا أنفسَهم للمهمةِ الإنسانية فدافعهم صفة إيجابية، وهو التعاطفُ البشري، لأُشِيرَ أن أكثرَ من بلـَّغ عن الضحايا المطمورين تحت ركام الصخور والطين هم من نظن أنهم يحملون أبشع الصفات الإنسانية، الذين هم أشبـَهُ بعُقبان البشر الذين يتجمعون على الجثثِ الميتة، الذين يدورون في الركام ليسرقوا ما فوقه وما تحته ويطلقون عليهم بالإنجليزية «سكافنجرز».. لأنهم وهم يبحثون بأعدادٍ وأسرابٍ كبيرة يجدون الأحياءَ المطمورين فيهرعون للتبليغ عنهم أو ينقذونهم، وآخرهم ضحية طُمِرَ من أول يومٍ من الزلزال حتى يوم الأمس.. وكأنهم، ولو للحظةٍ.. ساروا في أرض الدموع.
ولمهتمي العصر الرقمي، ترقبوا الساحرَ «ستيف جوبز»، رئيس شركة «آبل». ستيف يركد كسطح هادئ ثم يطفرُ في الفضاء كشلال هادر. وهو مسرحيٌ من الطراز العبقري يستطيع أن يفعل بإطلالةٍ واحدةٍ في مؤتمر أكثر مما تفعله آلة إعلانيةٍ عملاقة.. شركة «آبل» ملحمة من ملاحم الشركات، من يقرأ ويتابع هذه الملحمة العصرية سيجد أمثلةً من النجاح الفائق، والتعثرِ المعيق، والثقةِ المُفعَمة، والتردّد الانسحابي.. ثم الانتفاض والطيران للشواهق من جديد. قائدُ هذه الملحمة هو «أخيل» العصر، وسلاحه الأمضى «الآي بود»، خصوصا الجديد الذي أعلنه فوق التوقعات تقنية وسعرا. أعتقد أن شركاتٍ كثيرة، وخصوصا «أمازون» في قارئها «ريدر»، سيبحثون جاهدين عن.. كعب أخيل!
في أمان الله..