مقتطفات الجمعة 165

سنة النشر : 01/01/2010 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 165 .
 
حافزُ الجمعة: استقبالُ سنةٍ جديدةٍ أمرٌ مثير. كأن الزمنَ أرسل مرسولاً جديداً يحمل لنا المفاجآت. والحقيقة لا مفاجآت، هي أمورٌ نصنعها نحن بأيادينا، بإرادتنا. الزمنُ تيارٌ غير مرئيٍّ، تجعله الأحداثُ ملوَّناً فيُرى.. نحن الذين نصنع سنةً ناجحةً أو سنةً سيئة، حتى بما يُقدَّرُ من حوادثِ الطبيعة التي لا حيلة لنا بحدوثها، لنا حيلةٌ بالتوقِّع لها، حيلةٌ بالتصدِّي لها، حيلةٌ بالتقليلِ من عواقبها.. الزمنُ الجديدُ عبارة عن حوضٍ جديدٍ نملأه نحن بأحداثٍ جديدة.. وهو سيمتلئ بأي حال، إن نحنُ تحكمنا بالمادةِ المملوءة طفونا فوقه، وإن امتلأ بفعل عوامل الامتلاء الحتمية بلا تدخّلٍ منا، فقد نغرق.. ولا لومَ على السنةِ الجديدة ولا فضل. اللومُ علينا إن قصّرنا، والفضلُ لنا إن أنجزنا.
 
تذمر الناسُ في العام الماضي أكثر مما رضوا في داخل قلوبهم، وعانوا أكثر مما تمتّعوا، تأخرٌ بالخدمات، طوفان قاتلٌ بجدة واشتعلت حربُ الحدودِ في الجنوب، فبدأت مآسي موت الجنود، وهول فقدان الآباء والأزواج والأبناء.. دقاتُ ساعة منبّه الزمن تعلن أن علينا الاستيقاظَ على الواقع والتعامل مع معطياتِهِ لنقدم خدمةً صحيةً أفضل، ونعدّ تعليما وتدريباً أفضل، وتجهيزاتٍ تحتية أفضل.. والأهم، نوايا أفضل!
 
شخصية الأسبوع: فقدنا وجود الدكتور «غازي بن عبد الرحمن القصيبي» بيننا، وفقدانُ شخصٍ بحجم القصيبي، هو مثل نجم هائل قرر فجأة أن يغوص في الفضاء، فيحدث فراغاً مغناطيسياً هائلاً. والرجلُ الكبيرُ يتشافى حالياً، ونسأل اللهَ أن يرفع عنه ويعيده بين أهله معافى مكتمل الصحة. القصيبي تركيبةٌ غرائبية من البشر، يحمل اسماً مناكِفاً، ولم يكف عن المنافحة والمناكفة فيما يراه يستحق أن يُغزى من أجله.. وهو عنيدٌ مثل صبّارٍ صحراوي يقاوم كل الظروفِ المحيطة متى تشبثَ بتُربةِ رؤيتِهِ وأهدافِهِ وما يعتقد بضميره أنه الأصلحَ لأمّتِه.. والقصيبي وحده نهلَ من رحيق المديح والثناءِ ما لم يتمتع به شخصٌ وحده، ودهمته أعاصير من النقد العنيفِ ما لم يعصف بإنسانٍ وحده.. والغريبُ أنه تحمل كلّ ذلك، أو أن هذا ما اعتقدناه.. الحقيقة أنه كائنٌ عبقري عظيم الحساسية - وإلا لما ذاب بأحاسيسه شاعراً - فهو ليس سميك الجلد كما قد يتهيأ للبعض، وإنما جلده برقّةِ غِشاءِ جناح فراشة.. كيف تتحملُ رِقّةُ وحساسية الدكتور غازي كل هذه الضغوط؟ هنا غرائبيته.. أظنها قوة العنادِ حين يكون العنادُ إيمانا!
 
بادرت «جمعية البرّ بالمنطقة الشرقية» ممثلة بصديقنا الدكتور الناجح «عبد الله قاضي» بدعوة رئيس وأعضاء اللجنة الاجتماعية بمجلس الشورى، وكانت الزيارةُ متعددة الأهداف. اطلّع أعضاءُ المجلس على أعمال الجمعية وما أشرفتْ عليه من مشاريع مثل مساكن الأمير محمد بن فهد الميسرة، ومشاريع أخرى ترفع الشأنَ الاجتماعي للأفراد، وكان إعجابُ الزائرين لافتا وتمنوا إدارة مثل هذه أن تعمّ المملكة، كما كان الحديثُ مع سموّ نائب أمير المنطقة الشرقية رحبا مما أشاعَ تبادلَ الرأي، وكان الدكتورُ «طلال بكري» قد نقل للأمير صورة الإعجاب بما رآه الأعضاء بقُدرةٍ لغوية وحضورٍ عميق وقيادةٍ قدّرَها له زملاؤه وهو يمرّرُ الأدوارَ بينهم.. على أن الأعضاءَ لم يكتفوا بذلك، بل زاروا لجنة التنمية الاجتماعية الأهلية، واطلعوا من الشباب المتطوع على نُبَذٍ من أعمال «جمعية الأعمال التطوعية الناشئة»، و»جائزة الإبداع لحاضرة الدمام» الناشئتين، وعلى مركز الحي النموذجي الذي تشرف عليه لجنة التنمية الاجتماعية بإدارة مباشرة من الرجل النابه الأستاذ الشيخ محمد الخميس. وهي بادرةٌ تحمل مضموناً آخر، فخروجُ أعضاءٍ من مجلس الشورى من مكاتبهم، وعملهم الإداري إلى معايشة الواقع مع الناس الذين يتكلمون بأصواتهم، ويعبرون عن أمانيهم، كان أهمّ الأهداف.
 
وانظروا لهذا السؤالِ الذي يحمل روحاً معرفية وغيورة من دارسة الدكتوراه في بريطانيا «أمل. م»:«.. تناقشتُ مع مشرفي على الدكتوراه حول أهمية «ابن خلدون» في فلسفة الحضارات، أمام الغربيين أمثال «فيكو» و»ليسنج»، هل لك رأيٌ في ذلك؟» ونُجيب على الدكتورة أمل، بأن مجملَ آراءِ ابن خلدون في التاريخ اشتهرتْ فيما بعد باسم «فلسفة التاريخ»، لأنها تستنبط نظرياتُها من حقائق التاريخ ويطلق عليها أيضا «فلسفة الحضارة» لأنها دراسة للحضارةِ الإنسانية في نسَقِها الداخلي وسيرها المنظّم. وصحيح أن لـ «فيكو» الإيطالي (وهو أتى بعد ابن خلدون بثلاثة قرون) بحوثٌ أحدثتْ جلـَبة كبيرة في موضوع الدراساتِ الاجتماعية في كتابه الشهير «العلم الحديث»، وهذا سبب تسميته بأبي علم الاجتماع، وقد شايعه في بحوثِهِ كثيرٌ من الفلاسفةِ أشهرهم «ليسنج»، و»هردو» و»كنت» في ألمانيا، و»فولتير» و»كوندورسيه» في فرنسا، وبحوثهم علمية واختلطت بآرائِهم الفردية، فخرج كلٌ منهم بمذهبِهِ في الحضارة، ويكفي أن تنقلي للمشرفِ على رسالتك ما كتبه مواطنُه المؤرخ العالم العظيم «توينبي Toynbee» في كتابه «دراسة التاريخ» فهو يقول: «ابن خلدون أنتج أعظمَ كتابٍ من نوعِهِ أبدعَهُ إنسانٌ في كل زمانٍ، ومكان!».
 
لغزُ ونقاش الجمعة: توج الشـَّيْبُ رأسَها في الشبابِ يا لتاجٍ صاغَتـْه نارُ الــعذابِ وكسَاها اللظّى بياضَ رمـــــادٍ بعد أن بزَّها بياضَ ثِيـــــابِ فما هي؟ وإن أعرفتموها زودوني بآرائِكم حولها.
 
في أمان الله..