مقتطفات الجمعة 160
سنة النشر : 20/11/2009
الصحيفة : الاقتصادية
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 160 .
حافز الجمعة: التاريخُ بمفهومهِ الصحيح ذخيرة أمجادٍ وذكرياتٍ وهفـَواتٍ وعظاتٍ قوميةٍ مشتركة، وسجلّ بطولاتٍ لوّنتْ الزمانَ بالأمجادِ، وسِجـِلّ مِحَنٍ وهزائم ومؤامراتٍ وأحقاد، وتخليد لمعارك دارتْ في رحابِ الأمة، وتاريخ شهداء، وتاريخ عظماء، وتاريخ مجرمين ومتجبّرين عتاة. لو قُدِّرَ لأجيالنا، ولنا كثقافةٍ أصل، دراسة التاريخ العربي باطلاع وتأملٍ واعتبار، سواء ما كان منيراً مشرقاً، أو ما كان قاتم الأحداث، ومن خيرٍ أو شرٍّ، واستعدناهُ بروحٍ علميةٍ وقـَرَنـّا النتائجَ بالأسبابِ فستكون لنا مكتبة مرجعية في تربية الجيل من أجل أمّةٍ أفضل، ومعرفة للفرد باستمرار تدفق نهر وجودِ أمته ووجوده، وارتباطه بها وارتباطه بشعوبِها.
رأيُ الجمعة: مراقباً لهذه النزاعاتِ التي التهبت بين شعبَي مصرَ والجزائر في سبيل قطف بطاقة التأهل لمنافسة كأس العالم لكرة القدم التي ستقام في جنوب إفريقيا، أدركتُ أن الأجيالَ لم تعد تقرأ التأريخ، فالتاريخ برأيي من أهم عوامل التربية، فعندما كانت الجزائرُ تحت نيْر الاستعمار الفرنسي، كانت مصرُ أكبر داعمةٍ لها منذ الأربعينيات، واستضافت مصرُ حركاتِ التحرير الجزائرية في أراضيها، وارتقت على منصّات إعلامِها، وحين تحررت الجزائرُ من ربقة الاستعمار كانت مواكبُ التعريب تتقاطر على الجزائر من مصر وإلا لطغـَتْ ثقافةٌ فرنسيةٌ خالصة، وعندما يُرْفَع النشيدُ القومي الجزائري الذي أُلـِّفَ من عدةِ عقودٍ، فإن واضع الكلمات شاعرٌ جزائري، وملحّن وموزع الموسيقى فنانٌ مصري .. والدمُ الجزائري أريق على الأرضِ المصرية في حربِ أكتوبر، ولكن الأجيالَ لا تقرأ التأريخ .. ولا القريب. وهو أمر لا نلوم فيه الأجيالَ، ولكن نلوم خسارتنا لتوظيف التاريخ كعاملٍ تربوي لإذكاء الأخوّةِ الوطنية والعربية والإسلامية.
شخصية الجمعة: عندما قال السيدُ «هشام طاشكندي» مدير عام «صندوق المئوية»، إن إنجاز الفتاة السعودية «غادة باعقيل» يُضاف إلى إنجازاتِ الوطن، فإن الدقة هنا كانت ساطعة فالشابة «غادة باعقيل» حققتْ نصراً عالمياً مشهودا، وخفق اسمُ هذه البلاد، مقروناً باسمها في صالة قصر «سانت جيمس» بالعاصمةِ البريطانية بفوزها بأفضل مشروع عالمي بمسابقة «رابطة شباب الأعمال العالمية» متقدمة بإبهار (كما كتبتْ كاتبةٌ إنجليزية) على منافسيها العالميين، والذي يجعلني كسعودي أتطاول برقبتي فخراً أنها فكرتْ في المشروع إنسانياً، حيث إن مشروعَها كان حول مركز لمرضى التوحد، وكم من معاناة غير مكشوفة كلها آلام وقلق من أهالي المصابين به من الأطفالِ خصوصا. جاء هذا المشروعُ ليكون إعلانا ليس فقط عن المرض ومعاناته ومآسيه، ولكن لشقّ ضوءٍ نحو طرق الخلاص ومخارج الأمل. «غادة باعقيل» إعلانٌ عن المرأة السعودية الجديدة، امرأة عاقلة رزينة واسعة المدارك، وقادرة بتفوقٍ.. على الإبهار!
كتاب الجمعة: «سمانثا ماكلود» بنتٌ أمريكية صغيرة عادية (الآن 14 ربيعا)، كتبتْ قصة واقعية بلغةٍ بسيطة تعزف على أوتار الفؤاد، وتخصّبُ منابع الدموع.. الكتاب عنوانه «عادي»، كتبته عن أخيها الصغير المصاب بالتوحد، ووصفتْ كيف يكون التوحدُ بعيون الأطفال المصابين به والذين يعيشون معهم طوال حياتهم.. بدأت «سمانثا» الكتابَ وهي في التاسعة من عمرها معتقدة أنها ستساعد أخاها ليعود طفلا «عاديا». على أن العقلية الصغيرة لم تخلُ من فلسفةٍ عميقةٍ، فهي كتبت عبارةً وقفتُ عندها كثيرا وبأسلوبٍ طفولي مباشر بلغة المدارس المتوسطة «But, Gosh what normal means ? ، ولكن يا الله ما يعني أن تكون عاديا؟»، وتصل إلى نتيجة أن بكل منا شخصية بأطوارٍ غريبة «Freak». فاز كتابُ «سمانثا» بجائزة جمعية التوحد.. ولها كتابٌ آخر بدأت كتابته وهي أصغر سنا بعنوان:»أخي ليس حالةً خاصة.» ربما من وسائل التواصل مع أطفال التوحّدِ أن يكتب الأطفالُ أنفسُهم تجاربهم مع إخوانِهم المرضى. أخوها الصغيرُ كان فخوراً وقال: «يا سلام.. كتابان عني!».
وتكلمنا عن التأريخ في «الحافز»، وضربنا المثلَ بأمريكا، ولكن التأريخ أحيانا مراوغٌ ومخادع. «أمريجو فسيوتشي» كان تاجراً إيطاليا، واصطحب بعثة استكشافية إلى أمريكا الجنوبية، وكانت الكتابة عزيزة، وكان هو يعرف أن يسجل ويكتب. مع أنه لم يكتشف ولم يحاول بعدها بسنين اطلع على سجلاته أستاذٌ ألماني - واسم أمريجو ينطق باللاتينية (أمريكو)- واقترح أن يُطلق اسم الرجل على القارة الجديدة، لأنه اكتشف معظم القارة الجنوبية ووصف سواحلها.. وكانت واحدة من أكبر مخادعات التاريخ. ومن حَيـْف التاريخ وظلمه أن أول من اكتشف القارة الأمريكية وسكن بها هم الهنودُ الحمر فسحنتهم وتشابه اللغة يثبتان أنهم من شعوبِ طرف آسيا الشرقي ووصلوا لها عن طريق الأسكا. والحاضرُ يخدع أيضا فكولومبوس المكتشف المسجَّل للعالم الجديد، مات وهو يصر أن الذي اكتشفه إنما هو جزء من آسيا.. يا للتاريخ!
نقاش الأسبوع: ما السببُ وراء التعصب الكروي الأعمى، هل هي الروح الوطنية المشبوبة؟ أم التعصب للكرة بذاتِها؟ أم بسبب الحقن الإعلامي.. أم هناك أسبابٌ أخرى؟
ولصلاح جاهين، شاعرُ الأملِ الحزين: حاسب من الأحزان وحاسِبْ لها حاسب على رقابك من حبـلـها راح تنتهي، ولا بد راح تنتهـــي مُش انتـَهـِتْ أحزان من قبلها؟