مقتطفات الجمعة 159

سنة النشر : 13/11/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 159 .
 
حافز الجمعة: يقول رجلٌ فاضل: «جاءني أحدُهم بعد أن رأى طفلاً يرتعدُ جوعاً، متعثّراً في الطرقاتِ يتوسدُ حجارةَ الأرصفةِ، ولم يعرف شيئاً اسمه حرف في حياته.. وقال: «أين العدلُ الإلهي؟ لماذا سمحتْ العدالةُ الإلهية لهذا الطفل أن يواجه كل هذه الآلام والمصير المريع؟»، فردّ عليه الرجلُ الفاضلُ: « اعتراضُك لا أساسَ له من الصحةِ، فاللهُ خلقـَكَ، ووضع فيك هذا الضميرَ والإحساسَ.. ودورُك الآن أن تجعل هذا الضميرَ وتلك المشاعرَ أفعالاً من أجل هذا الطفل».
 
موضوع الأسبوع: الناس يخافون مما لا يعلمون، ثم إن هذا الخوفَ ينقلب وحشاً ينبش عن مزيدٍ من الخوف، فيكبر ويدورُ عطشان يبحث عن ضحاياه. والناس لا يخافون مما يعرفونه حق المعرفة سواء أكان طيّبا أم سيئا، لأن أهم سرٍّ في المعرفةِ أنها تعطينا القدرةَ على المواجهة.. فالمسألة برمّتها أننا لا نرى المجهولَ ولا نعرفه فنخافُ منه، ونرى المعروفَ فنقفُ أمامه. و«هناء بنت عبد الله الربيعة» كانت الطفلة الأشهر في الأمّةِ الأسبوع الفائت وهي تظهرُ في كل صحف البلاد وأبوها، وزيرُ الصحةِ، يغرزُ في عضدها لقاحَ إنفلونزا الخنازير. وكنا نطالب من البدءِ بالمكاشفة، بمعرفة الحقيقةِ أيّاً كانت تلك الحقيقة عن اللقاح، بعد أن دار لغطٌ، وتضخمتْ إشاعاتٌ جالتْ في الفضاء الافتراضي، وتناقلها الناسُ حتى صار اللقاحُ وحشاً يدور يبحث عن ضحايا الخوف.
 
وكنا نطلب أن يخرج علينا بيانٌ قاطعُ يقول لنا ما هو هذا اللقاح؟ ما تركيبه الصيدلاني؟ ما نفعُه؟ ما مدى أضراره؟ فالناس قاطعوه ليس لأنهم يعرفون عنه، إنما قاطعوه لأنهم لا يعرفون عنه. وكانت ذراعُ الطفلةِ «هناء الربيعة» هي الإجابة لكل الأمّة. وكان الأب وهو يغرز إبرة اللقاح في يد ابنته أقصى ما يمكن أن يؤكّده للرأي العام.. إنها رسالةُ تقول: «لا أملك إلا أن أضع إبرة اللقاح في يد ابنتي وهي أغلى عليّ من نفسي, ولكم كل الحرية الآن في أن تفعلوا ما ترون.. ولكني أتمنى لبناتكم وأولادكم ما أتمناه لهناء». هناء يا بنتنا: بِـ «الصّحة!».
 
شخصية الأسبوع: هناك شخصياتٌ تملأ المكانَ، وهي في المكان أو خارج المكان. شخصياتٌ تملأ المجتمعَ وهي في وسط المجتمع وهي في خارج المجتمع، شخصياتٌ تمتلك جماليةً اجتماعيةً لا نفهم سرّها ولكننا نتفق جميعا حولها.. شخصياتٌ نحبّها ونتعلق بها، ونريد أن نتقرب لها ونصادقها من أجل هذه الهالةِ المحيطةِ بها، بل الهالةُ التي تنبعُ بمجرد تذكرها.. لا لشيءٍ آخر. شخصياتُ تودُّ أن تفكّكها لتعرف ما سرّ جاذبيتها الطلِقة، وهذا السحر الشخصيِّ فيها، ولكنك ستكون مثل من يفتـِّتُ زهرةً ليعرف من أين يضوع عطرُها، لن تجد المبعثَ، إنه خفيٌ ظاهرٌ.. خفيٌ من انطلاقاته الأصلية، ظاهرٌ جداً في انطباعاتِهِ الخارجية. وحتماً هناك خيرٌ جزيلٌ في كل شخصيةٍ طاغيةِ الحضور حتى عندما تكون في سترِ الغياب.. ولا بد أن يكون هذا الخيرُ متواصلاً للناس وللمجتمع وللأمة.. وهذا ما تجمّع في شخصيةِ الدكتور «عبد الرحمن بن عبدالله الزامل» عضو مجلس الشورى السابق، ورجل المجتمع ( لأنها صفته الطاغية قبل أي صفةٍ أخرى)، الذي لا يكاد أن يجهل معرفته أحدُ في طول البلادِ وعرضها. إنه الشخصية التي قرُبَتْ للقلوب.. لأنها أتقنـَتْ، فيما أتقنـَتْ، عنصراً صعبَ الإتقان: البساطة!
 
كانت أمسية منتدى «أمطار» بالرياض مساء الأحد الفائت، أمسيةً لا تنسى، بطلـُها الكاتب والمتخصص بقضايا النفط «الدكتور أنس بن فيصل الحجي»، زميلـُنا في «الاقتصادية». وكان الحجيُّ كعادته متمكّناً من مادتِهِ، ضليعاً في دروبها ومسالكها وخفاياها، وبنى آراءَ كريستالية لا نقطة غبارٍ واحدةٍ تمنع الرؤيةَ من خلال سطحها الرائقِ الصفاء. تملـَّكَ الحجيُّ ناصية المكان، وكان حشدُ الحضور الذين ضاقت عنهم الصالة على رؤوس أعصابـِهم وتحفزّهم طيلة الساعة وزيادة التي وقف الحجيّ يشرح فيها عن شجون النفط وشؤونه، وخلفه شاشة العرض برسوماتِهِ البيانيةِ المفسِّرة.. وحضر المنتدى من العقول أبرزها خصوصا في الشأن الاقتصادي، ودار نقاشٌ وكأنه في ردهة أهم مراكز الأدمغة.. أهم ما أشار إليه الحجّي: «لا أفهم لمَ أنتم قلقون حول مسألة متى سينتهي النفط؟ أو كيف نحافظ على النفط؟ فهو سينتهي بأي حال.. ولكن السؤال الذي يجب أن نسأله لأنفسِنا: هو كيف نستفيد إلى أقصى مدى من النفط ما دمنا نملكه فوق وتحت أرضِنا؟
 
وبمناسبة إشارة «حافز الجمعة» للطفل البائس، حضرتُ مساء الإثنين المنصرم حفلاً أقامته «منظمة الطفولة العربية» بدعوة من أمينها العام الدكتورة «مشاعل العتيبي» كمتكلمٍّ مشارك، وعند خروجي من الحفل، سمعتُ صوتاً ينادي» أستاذ نجيب..» والتفتُ فإذا بشخصيةٍ دقيقةِ اللطفِ، وبابتسامةٍ تملأ الروح، وعرفت الشخصية للتوّ بأنه الممثل السعودي المعروف «فائز المالكي». ورأيته بسيطاً تلقائيا، والأهم أن المالكي كما تمنى الرجلُ الفاضل في «الحافز».. سخّر عاطفتَهُ وضميرَه وعملـَهُ من أجل الطفلِ والطفولة.
 
في أمان الله..