مقتطفات الجمعة 157

سنة النشر : 29/10/2009 الصحيفة : الاقتصادية

 
أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 157 .
 
حافز الجمعة: التنافسُ من عناصر ديناميكة الحياة وضرورة لها. ولكنها لا تعني أن تقفَ ضد العملِ الآخر وتعرقله، بل أن تصرف الوقتَ في تحسين إنجازك ليفوق الآخرين، متأكداً أنها رياضة عقلية وروحية حين تتمنى أن يبذل الآخرون جهدهم كي تُعطـَى لكل قواك الذهنية والروحية مداها. تذكر شيئاً مهماً: عندما نضعُ بطلاً جديداً على لائحةِ الأبطال، فإن هذا لا يعني أبداً مسح اسمٍ آخر.
 
قضية الأسبوع: نعود لقضيةِ إنفلونزا الخنازير والمدارس. رأيي كتبته هنا واضحا قبل الدراسة بمسألة تأجيل الدراسة، وكان الخوف هو من أمرين محورييْن: قلةُ الوقت الكافي للاستعداد المثالي (ويجب أن يكون مثالياً، لأن العدوى كالماءِ المحجور، إن وجد مسامّةً متناهية الصغر فسيتسرب منها)، فالمثاليةُ هنا ضرورة لا مقياس كفاءةٍ وإنجاز. والعنصر الثاني هو الفزعُ ونتائجه عندما يبدأ التلاميذُ أو المعلمون يصابون بعدوى المرض. وكان هناك أمرٌ ثالثٌ، إلا أنه علميٌ بحت، وهو مسألة ما سيكون عليه هذا الفيروسُ من ضراوةٍ أو تغيّر بيولوجي في الشتاء، وها قد سجّلَتْ اليابانُ حالاتٍ جديدةً لفيروس متطورٍ لهذه الحمّى استعصى على الأدوية المضادة. الآن، أنا كفرد، أعرف أن مُدرّسةً تنام في مستشفى في المنطقة الشرقية وهي في حالةٍ خطرةٍ من جراء المرض، وجاءنا مهندسٌ سعوديٌ شابُ يعمل معنا ليستأذن للعزاءِ بقريبته الطفلة التي توفيت بالمرض في جدة. كل واحدٍ منا قد يعرف مباشرة أو عن طريق قريب مسألة هذه الإصابات. لا نقلل أبداً من جهودِ أحد، ولا نقول أيضا ماذا لو لم يستعجلوا في فتح المدارس، فلهم نظرتهم من زاويتهم، ولنا نظرتنا من زاويتنا، وهذا شيءٌ نقدّره ونفهمه، ونتفق على أن كل منا يسعى في النهايةِ لما هو الأنسب للمجتمع. على أن الآراء يجب أن تلتقي في موضوع بهذه الاستراتيجية الحيوية، وأن نعرف إن كانت هناك خططُ استنفارٍ لكل الأجهزة لو صارت عدوى أو نفرة فزع.. وأن نفكر من جديدٍ في مسألة الدراسة بآليتها العامة، فكلنا نتفق على أن الصحةَ تأتي قبل كل شيءٍ.
 
هل في الحزنِ تواضع، وهل فيه سهولة، ومع ذلك يضع كل أثره الوجداني؟ لم أقرأ في تطويب الراحلين شيئاً سهلاً وجاريا ومباشرا بلا إيغال في الحزن أو تعظيم الظرف كما قرأتُ في تطويب الكاتب سعود بن خالد بن سعود الكبير لوالدته «نورة» في جريدة «الجزيرة» في 18 من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري. والدته نورة مسّت قلبَ كل من قرأها، لأن الكاتبَ حكى بسهولةٍ فياضةٍ مفعمةٍ بالبساطةِ المنسابة عن أمٍّ قياسية، أمٌّ على قالـَبٍ عام، أمُّ كل واحدٍ وواحدةٍ منا، فيشعرك أن كلَّ شيءٍ يتلاشى حولك لتبزغ صورةُ والدتك أو جدّتك فتترحم على روحِها إن كانت قد رحلت للسموات، أو تضع ما قرأتَ وتهرعُ مباشرةً لتضمها إن كانت تنير عليك الحياة. الدمعُ يختلط مع البسمةِ الهانئة، مع الآهة التي تضع المرهمَ على الندْبةِ، وليست الآهة التي تحفر الندبةَ في القلب. وأسمَعَ والدتـَه نورة بحياتها قصيدةً قالها فيها، منها: يا يمـّه يا ليت العمر يهدى لإنسان لأهدي لك سنيني وكل أمنياتي
 
شخصية الأسبوع: مقتطفٌ جديد، نستعرض فيه شخصية من الشخصيات، في رأيي وقياسي المتواضعَيْن، ولكم أرغب من قرائي المشاركة في طرح الأسماءِ التي يرونها مناسبة لكي تخرج أمام الناس كمثالٍ على إنجازٍ نافع، أو إقتداء لامع. وأبدأ اليوم بالأستاذ «حمد بن عبد الله القاضي»، وهو كاتبٌ وعاملٌ ثقافي أسهم بفعاليةٍ في الجو المعرفي والصحافي والثقافي والاجتماعي في البلادِ دون أن يعكّر صفوَ ماء علاقاتِهِ مع أحد. إنه مثل زهرة الجبال الجليدية التي تنبت رغم قساوة الطقس فتبقى تفوحُ وتجمّلُ منظر العمى الثلجي.. عاش مرحلة كبار الكتاب والمثقفين في أوج الصراعات الفكرية التي استعرّتْ بين مفكرينا الأعلام، وبقي هو في فكرٍ جارٍ كالجدولِ الصافي بين نهر الحمم المتطايشةِ اللهب، وبين الشلالات الصاخبة الارتفاع والسقوط.. معا. يملك هذه الروح التي قال عنها حكيم الهند الصوفي وشاعرها «طاغور»: محظوظ ونادر الذي يسهل عليه محبة الناس. والقاضي كاتبٌ وسيلته الثناء الحافز، ولم يخط كلمة انتقادٍ واحدةٍ إلا وتسبقها وتلحقها مغلفاتُ المحبّةِ ومسح اليد على الجباهِ المجهَدَة. إنه المفكرُ الذي يأمل في الناسِ خيرا، وفي الأمّةِ خيرا.. بل أظنه أكثر من ذلك إنه يعتقد بذلك بخفاء وجدانِه وبحضور عقله.
 
نقاش الجمعة: ويتراءى لي أنه موضوع مهم، ويجب أن يناقش بلا مسٍّ ولا تجريح ولكن بعقليةٍ إنسانيةٍ إيجابيةٍ، وأثيرها من واقع طرفةٍ لتسهيل حدة التفكير بها. سأل مرة الشاعرُ خليل مطران «إمام العبد» وهو شاعرٌ ومفكرٌ خفيف الظل، وكان أسودَ البشرة: «لِمَ لـَمْ تتزوج يا إمام»؟ فرد إمامُ شعراً: يا خليلي وأنتَ خيرُ خليــلِ لا تَلُمْ راهبــــاً بغيرِ دليـــــلِ أنا ليلٌ، وكلّ حسناءٍ شمسُ واجتماعي بها من المستحيلِ ويقصد أنه أسود كالليل، وحسناواته بيض كضوءِ الشمس فهل ترون أن اللونَ حائلٌ وهميٌ أم حقيقيٌ دون الزواج، خصوصاً باكتمال الصفةِ والحبّ؟
 
في أمان الله..