مقتطفات الجمعة 153

سنة النشر : 18/09/2009 الصحيفة : الاقتصادية


أهلا بكم في مقتطفات الجمعة 153 .

حافزُ الجمعة: لم يكن الأمريكي ''جورج برنز''، الذي توفي في عام 1996 عن مائةِ عامٍ، إلا كوميديانا وكاتباً مسرحياً سطحيا، وبرأيي وأنأ أقرأ كتاباً عن سيرةِ حياتِه، أنه حكيمٌ عميقُ الرؤيةِ بطريقته. ولفتني ما قاله بمسرحيةٍ هزلية :''إن أفضل الناس المؤهلين لإدارةِ الدولة لا يستطيعون القيام بذلك لأنهم لاهون في قيادة سيارات الأجرة، وقصّ شعورِ الناس!'' ظاهرها قولٌ هزلي وداخلها نصٌّ تأملي. فإدارة الأمّة ليس شرطا ألا يقودها إلا النُخـَب الكبرى، قد يُقـَيـَّض لناسٍ عاديين يتمتعون بعقل متزن، وبتجربةٍ انغمست بأحوال الناس اليومية ومعاناتهم وآمالهم من ضمن ما مرّوا به هم، أن يكونوا من القيادات الكارزمائية التاريخية لأي أمة. الأنبياءُ كانوا من بسطاء الناس، وعملوا أجراء عند الآخرين.. وكذلك كثير من كبار قادة العالم إنما خرجوا من أحياء وقرى البساطة والفقر والعاديّة، لا قصور الثراء والدم الأزرق. حتى من كانوا كذلك، لم يخلدهم التاريخُ إلا لما تنزهّوا عن متطلباتِ شهوات السلطة، ونزلوا لمعاناة الناس في القاع، مثل الخليفة عمر بن عبد العزيز ابن الملوك. هذا هو سرُّ القيادةِ الأمُمَي الأكبر.

قضية الأسبوع: السجين السعودي ''حميدان التركي''. تداولت الأنباءُ خبرَ رفض قاضي محكمة كولارادو الأمريكية التماس دفاع السيد التركي الطعن في الحكم المؤبد ضده، بقضيةٍ شملها ''بوضوح'' ضبابٌ منعَ ''الوضوح''. ولم يبقَ إلا كسرةُ أملٍ هشـّةٍ باللجوء للمحكمة العليا. الأملُ معقودٌ على طريق واسع اسمه الدبلوماسية. كسعوديين نشكر الحكومة السعودية ممثلة في سفارتنا بواشنطن لما بذلته بحرص وبذل في الدفاع عن السعوديين بالمحاكم والسجون الأمريكية، وهو أمرٌ لا يخفى. على أن الحالَ مع حميدان التركي حالٌ آخر، اختلطت فيه كثير من الحيثيات المقوْلبة، واتهامات محشوة بالغموض والتحيز المسبق، كما أننا لا ندعي بأن التركي خالٍ من العيوب، فقد يكون ارتكب جُنحة أو مخالفة لنصٍّ قانوني، ولكن قبولُ اعترافات عاملة منزلية بلا شواهد واقعية ولا إثباتاتٍ فسيولوجية حيوية، وبعد عشرات الدورات من التحقيق معها حتى انصاعَتْ، ثم الحكم عليه بالسجن مدى الحياة لا يتلاءم مع ما قام به الجندي الأمريكي في القضية المشهور في اغتصابه لقاصرٍ عراقيةٍ وقتلها وحرق أهلها بالسجن سبع سنوات، ومع تسريحٍ مشروط (!!)

القناة الدبلوماسية تجترح العجائب بعيدا عن صرامة القانون حتى في الجرم السيادي، ونستدعي حادثة الرئيس الأمريكي السابق ''بيل كلنتون''، حين ذهب إلى كوريا الشمالية و''أقنع'' رئيسها الشيوعي بأن يطلق سراح فتاتين أمريكيتين – ومن أصول كورية!- اخترقا الحدودَ الكورية الشمالية وقاما بعمل تعتبره القوانين هناك جُرما سياديا يفقهُ كل العالم أن عقابَه الموت.. ونجح. بل أكثر، إنهم يذهبون لدول ويحررون مواطنيها من قضايا سياديةٍ داخلية. إن أملنا الأكبر في توظيف أعلى طاقاتنا الدبلوماسية لتحرير التركي من هذا المنطلق الآن.. ولقد سبقَ أن قدمنا نحن ذات الخدمة في أكثرِ من مناسبة.

وأقف هذه المرة ضاربا التحية لقناة العربية في برنامجها ''العين الثالثة'' التي تنجح به بإجراء حوارٍ مخترقة التواريس الإجرائية والحمائية للسجن الذي يقضي به السيد حميدان التركي عقوبته الحياتية، وتجري حواراً طويلا صريحا معه، كما كشفَ عنه موقعُ العربية- نت. والغريبُ شيئان: يقول مذيعُ البرنامج إن يدَ السجين السعودي مكسورة من ''العمل الشاق'' مصرّحا بضعف المراعاة لأنظمة حقوق الإنسان. وتصريح التركي أن الحكومة الأمريكية حاولتْ أن تُبرم ''اتفاقا تعاونيا!'' معه مقابل إطلاق سراحه. لن نخوض في الموضوع، ولكني أزجي شكراً عميقاً واعتزارا بهذا الموقف للعربية، كما أعيد الأملَ والأمنية في تفعيل العمل الدبلوماسي.. الأملُ الوحيد.

الدكتورة ''سعاد يماني'' أحيانا تبدو لي كَ ''دون كيخوته'' الإسباني الأسطوري الذي يحارب وحده معركة ضد طواحين الهواء. إنها تخوض معركة كبرى، وتختلف عن ''كيخوته'' أنها معركة حقيقية ومهمة، تقاتلُ عزلاء السلاح من أجلنا، من أجل مئات الآلافِ من أبنائنا الذين لديهم الظاهرة المعروفة بفرط نشاط الحركة وتشتت الانتباه. واتفقت الدكتورة يماني بإبهارٍ مع أكبر جمعية أمريكية في هذا الشأن، لتقيم مؤتمرا كبيرا بعد أشهر قليلة، ولكنها ما زالتْ تحاربُ واقفة على أرض مائعةٍ وغير ثابتة، فلا رفدَ ماليّ كافٍ، ولا رعاية كبرى من أجل ما أعتقد أنه أكبر وأهم مؤتمر سيقام في العالم العربي لفرط النشاط وتشتت الانتباه، وإهماله يؤدي إلى إخراج المجرمين العتاة، وبالتصحيح يخرج أجمل العباقرة.. إني أترك الموضوعَ أمام ضمير الأمة.

ويكتب الأستاذُ ''صالح الشيحي'' كاتبُ جريدة الوطن الأشهر، مقالا من جزأين على يومين متتاليين عن عائلة الزامل، وأبدى إعجابه جزاه الله خيرا بما يعتقد أنها أعمالٌ خيِّرة تقوم بها هذه العائلة، ثم أنه اعترض نفسه قائلا : ''ويجب أن أشير إلى منتدى أسرة الزامل الثقافي حتى لا يغضب علينا نجيب الزامل''.. ويعرف الشيحي أني أحبه ولا أغضب عليه، ثم أنه موهوبٌ رقيقٌ في ثنائه، ولطيفٌ في صدقِ نقدِه، وبريء في طلـّته، إنه من الذين لا يصلون لزرِّ الغضب عند أحد، بل الراحة والتجاوب والأنس. وحريٌّ القول أن عائلة الزامل – بما ندّعيه ونزعمه - حرصت على الإنماءِ الوطني بطبيعة اختيار العمل الصعب في الصناعة، لأن العقارَ وتجارة المال أسهل، والتركيز على حلم وطنيٍّ بالاعتماد على العقلية والعاضِد السعودي، ولها وجهٌ تريد أن تـُعْرَف به وهو الوجهُ الصديق المحب للمجتمع عن طريق التواصل الفكري والعمل الاجتماعي.. لو تحقق لها ذلك، فإنّ أعضاءها يمكن حسابهم من السعداء الذين حققوا أروع طموحاتهم.